الآيات المتشابهة لماذا؟

إنّ القرآن جاء نوراً لهداية عموم الناس، فما سبب احتوائه على آيات متشابهات فيها إبهام وتعقيد بحيث يستغلّها المفسدون لإثارة الفتنة؟ هذا موضوع مهمّ جدير بالبحث والتدقيق.

وعلى العموم يمكن أن تكون النقاط التالية هي السرّ في وجود المتشابهات في القرآن
أوّلاً: إنّ الألفاظ والكلمات التي يستعملها الإنسان للحوار هي لرفع حاجته اليومية في التفاهم. ولكن ما إن نخرج عن نطاق حياتنا الماديّة وحدودها، كأن نتحدّث عن الخالق الذي لا يحدّه أيّ لون من الحدود، نجد بوضوح أنّ ألفاظنا تلك لا تستوعب هذه المعاني، فنضطّر إلى استخدام ألفاظ أُخرى وإن تكن قاصرة لا تفي بالغرض تماماً من مختلف الجهات. وهذا القصور في الألفاظ هو منشأ الكثير من متشابهات القرآن. إنّ آيات مثل ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ1 أو ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى2 أو﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ3 التي سوف يأتي تفسيرها في موضعه، تعتبر من هذه النماذج. وهناك أيضاً تعبيرات مثل “سميع” و”بصير”، ولكن بالرجوع إلى الآيات المحكمات يمكن تفسيرها بوضوح.

ثانياً: كثير من الحقائق تختصّ بالعالم الآخر، أو بعالم ما وراء الطبيعة ممّا هو بعيد عن أُفق تفكيرنا، وإنّنا ـ بحكم وجودنا ضمن حدود سجن الزمان والمكان، غير قادرين على إدراك كنهها العميق. قصور أُفق تفكيرنا من جهة، وسمّو تلك المعاني من جهة أُخرى، سبب آخر من أسباب التشابه في بعض الآيات، كالتي تتعلّق بيوم القيامة مثلاً.

ثالثاً: من أسرار وجود المتشابهات في القرآن إثارة الحركة في الأفكار والعقول وإيجاد نهضة فكرية بين الناس. وهذا أشبه بالمسائل الفكرية المعقّدة التي يعالجها العلماء لتقوية أفكارهم ولتعميق دقّتهم في المسائل.

رابعاً: النقطة الأُخرى التي ترد بشأن وجود المتشابهات في القرآن، وتؤيّدها أخبار أهل البيت عليهم السلام، هي أنّ وجود هذه الآيات في القرآن يصعّد حاجة الناس إلى القادة الإلهيّين والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والأوصياء، فتكون سبباً يدعو الناس إلى البحث عن هؤلاء واعتراف بقيادتهم عملياً والاستفادة من علومهم الأخرى أيضاً.

وهذا أشبه ببعض الكتب المدرسية التي أُنيط فيها شرح بعض المواضيع إلى المدرّس نفسه، لكي لا تنقطع علاقة التلاميذ بأُستاذهم، ولكي يستمرّوا ـ بسبب حاجتهم هذه ـ في التزوّد منه على مختلف الأصعدة.

وهذا أيضاً مصداق وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: “إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.

*الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ـ الأمثل / الجزء الثاني / صفحة -399-400.

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *