ما المطلوب منا تجاه الإمام المهدي؟ – الثامن: الاستغاثة به عليه السلام لدفع الشدائد

 الاستغاثة والاستعانة به عليه السلام في الشدائد والأهوال، والبلايا والأمراض، وحلول الشبهات والفتن من مختلف الجوانب, وطلب حلّ المشاكل والشبهات ورفع الكربات ودفع البلايا, لأنّه عليه السلام وبحسب القدرة الإلهية والعلوم اللدنيّة الربّانيّة، عالم بأحوال العباد وقادر على إجابة مرادهم, عامّ الفيض لا ولن يغفل عن النظر في أمور رعاياه، وهو بنفسه قال في التوقيع الذي خرج إلى الشيخ المفيد:

(… فانّا يحيط علمنا بأنبائكم، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابكم…).(8)

وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسند معتبر عن أبي القاسم الحسين بن روح النائب الثالث (رضي الله عنه) انّه قال: اختلف أصحابنا في التفويض وغيره، فمضيت إلى أبي طاهر بن بلال في أيام استقامته فعرّفته الخلاف، فقال: أخّرني، فأخّرته أيّاماً فعدت إليه، فأخرج إليّ حديثاً بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال:

إذا أراد (الله) أمراً عرضه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أمير المؤمنين عليه السلام واحداً بعد واحد إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمان عليه السلام، ثم يخرج إلى الدنيا، وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى الله عز وجل عملاً عرض على صاحب الزمان عليه السلام، ثم يخرج على واحد واحد إلى أن يُعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم يعرض على الله عز وجل، فما نزل من الله فعلى أيديهم، وما عرج إلى الله فعلى أيديهم، وما استغنوا عن الله عز وجل طرفة عين.(9)

ونقل السيد حسين المفتي الكركي سبط المحقق الثاني في كتاب دفع المناوات، عن كتاب البراهين، عن أبي حمزة عن الإمام الكاظم عليه السلام انّه قال: ما من ملك يهبطه الله في أمر الاّ بدأ بالإمام فعرض ذلك عليه، وانّ مختلف الملائكة من عند الله تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر.(10)

وفي خبر أبي الوفاء الشيرازي انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: … وأمّا صاحب الزمان فإذا بلغ السكين منك هكذا _ وأومأ بيده إلى حلقه _ فقل: يا صاحب الزمان أغثني، يا صاحب الزمان أدركني.(11) (فانّه غياث المستغيثين، وملجأ ومأوى لهم).

روى الشيخ الكشي، والشيخ الصفار في البصائر عن رميلة انّه قال: وعكت وعكاً شديداً في زمان أمير المؤمنين عليه السلام، فوجدت من نفسي خفة يوم الجمعة، فقلت: لا أصيب شيئاً أفضل من أن أفيض عليّ من الماء واُصلّي خلف أمير المؤمنين عليه السلام، ففعلت ثم جئت المسجد، فلمّا صعد أمير المؤمنين عليه السلام المنبر عاد عليّ ذلك الوعك.

فلمّا انصرف أمير المؤمنين عليه السلام دخل القصر ودخلت معه، فالتفت اليّ أمير المؤمنين عليه السلام وقال: يا رميلة ما لي رأيتك وأنت منشبك بعضك في بعض؟ فقصصت عليه القصة التي كنت فيها، والذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه.

فقال لي: يا رميلة ليس من مؤمن يمرض الاّ مرضنا لمرضه، ولا يحزن الاّ حزنّا لحزنه، ولا يدعو الاّ أمنّا له، ولا يسكت الاّ دعونا له، فقلت: يا أمير المؤمنين جعلت فداك هذا لمن معك في القصر،(12) أرأيت مَن كان في أطرف الأرض؟ قال: يا رميلة ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا غربها.(13)

وروى الشيخ الصدوق، والصفار، والشيخ المفيد وغيرهم بأسانيد كثيرة عن الإمام الباقر والصادق عليهما السلام قالا: انّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض الاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم،(14) وإذا نقصوا شيئاً أكمله لهم، ولولا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم، وفي رواية: ولم يفرق بين الحق والباطل.(15)

وروي في تحفة الزائر للمجلسي، ومفاتيح النجاة للسبزواري: من كانت له حاجة فليكتبها في رقعة ويقذفها في ضريح أحد الأئمّة عليهم السلام، أو يمهرها ويضعها في طين طاهر، ويقذفها في نهر أو بئر عميق أو غدير ماء كي تصل إلى يد صاحب الزمان عليه السلام، وهو عليه السلام يتولى قضاء حاجته، واليك نص الرقعة:

(بسم الله الرحمن الرحيم، كتبت يا مولاي صلوات الله عليك مستغيثاً، وشكوت ما نزل بي مستجيراً بالله عز وجل، ثم بك من أمرٍ قد دهمني، وأشغل قلبي، وأطال فكري، وسلبني بعض لُبّي، وغيّر خطير نعمة الله عندي، أسلمني عند تخيّل وروده الخليل، وتبرّأ منّي عند ترائي إقباله إليّ الحميم، وعجزت عن دفاعه حيلتي، وخانني في تحمّله صبري وقوّتي، فلجأت فيه إليك، وتوكّلت في المسألة لله جلّ ثناؤه عليه وعليك في دفاعه عنّي، علماً بمكانك من الله ربّ العالمين وليّ التدبير، ومالك الأمور، واثقاً بك في المسارعة في الشفاعة إليه جلّ ثناؤه في أمري، متيقّناً لإجابته تبارك وتعالى إيّاك بإعطائي سُؤلي، وأنت يا مولاي جديرٌ بتحقيق ظنّي وتصديق أملي فيك في أمر كذا وكذا (وتذكر حاجتك بدل كذا وكذا)، فيما لا طاقة لي بحمله ولا صبر لي عليه، وإن كنت مستحقاً له ولأضعافه بقبيح أفعالي وتفريطي في الواجبات التي لله عز وجل، فأغثني يا مولاي صلوات الله عليك عند اللهف، وقدّم المسألة لله عز وجل في أمري قبل حلول التلف وشماتة الأعداء، فبك بسطت النعمة عليّ، واسأل الله جل جلاله لي نصراً عزيزاً، وفتحاً قريباً فيه بلوغ الآمال، وخير المبادي وخواتيم الأعمال، والأمن من المخاوف كلّها في كلّ حالٍ، انّه جلّ ثناؤه لما يشاء فعّال، وهو حسبي ونعم الوكيل في المبدأ والمآل).(16)

ثم يأتي الغدير أو النهر ويعتمد على أحد الوكلاء: أمّا عثمان بن سعيد العمري، أو ابنهُ محمّد بن عثمان، أو الحسين بن روح، أو عليّ بن محمّد السّمري، فينادي أحدهم ويقول:

(يا فلان بن فلان سلام عليك، أشهد انّ وفاتك في سبيل الله، وانّك حيّ عند الله مرزوق، وقد خاطبتك في حياتك التي لك عند الله عز وجل، وهذه رقعتي وحاجتي إلى مولانا عليه السلام، فسلّمها إليه وأنت الثقة الأمين).

ثم يقذفها في النهر أو البئر أو الغدير، فتُقضى حاجته.

ويُستفاد من هذا الخبر الشريف انّ هؤلاء الأربعة المذكورين كما كانوا الواسطة بين صاحب الزمان عليه السلام وبين الناس في الغيبة الصغرى في عرض الحوائج والرقاع وأخذ الجواب وإبلاغه، فكذلك حالهم في الغيبة الكبرى، فهم في ركابه عليه السلام ومن المفتخرين بهذا المنصب الشريف.

فعُلِمَ انّ مائدة إحسانه عليه السلام وجوده وكرمه وفضله ونعمه منتشرة في كلّ قطر من أقطار الأرض، وباب كرمه مفتوح والطريق إليه واضح لكلّ آيسٍ ومضطربٍ وضالٍّ ومتحيّرٍ وجاهلٍ وحيران، الذي جاء بصدق وعزم واضطرار وصفاء مع إخلاص، فان كان جاهلاً عُلّم، وان كان ضالاً هُدي، وإن كان مريضاً عوفي، كما يظهر هذا من الحكايات والقصص السالفة.

وخلاصة الحال انّ صاحب الأمر عليه السلام حاضر بين العباد، وناظر إلى أعمالهم وأحوالهم، وقادر على كشف البلايا عنهم، وعالم بأسرارهم وخفاياهم، ولم يكن معزولاً عن منصب الخلافة بسبب غيبته واستتاره عن الناس، ولم يترك عليه السلام الرئاسة الإلهيّة، ولم يظهر العجز عن قدرته الرّبانية، وإن شاء عليه السلام حلّ مشاكل القلوب من دون أيّ سعي وفعاليّة، وإن شاء شوّق قلب المضطر لكتاب أو لعالم عنده دواء دائه، أو يُلهمه دعاء أو يعلّمه دواءه في المنام.

وما رُأي وسُمع من أنّ بعض المضطرين وأصحاب الحوائج مع صدق الولاء والإقرار بالإمامة، وقد دعوا وتضرّعوا وشكوا أمرهم إليه عليه السلام ولم تُقض حوائجهم، فهذا _ بالإضافة لوجود موانع الدعاء والقبول فيه _ امّا أن يزعم انّه مضطر وليس كذلك، أو يزعم انّه ضالٌ متحيّر وقد هُدي إلى الطريق وعُلّم كالجاهل بالأحكام العملية الذي اُرجع إلى العالم، كما جاء في التوقيع المبارك عن مسائل إسحاق بن يعقوب حيث قال: وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله عليهم.(17)

فإذا أمكن وصول الجاهل للعالم وإن كان بالهجرة والسفر، أو الحصول على كتابه في الأحكام لم يكن مضطراً، وكذلك العالم الذي يمكن أن يحلّ المشاكل ويدفع الشبهات عنه بالرجوع إلى الظواهر ونصوص الكتاب والسنة والاجماع لا يسمّى عاجزاً، وهكذا من وسّع في نفقاته ومعاشه خارج الحدود الإلهية والموازين الشرعيّة، ولم يكتفِ بالمقدار الممدوح في الشرع، ولم يقنع بما في يده طلباً لما هو زائد عن قوام معاشه لم يكن مضطراً، وقس على هذا الموارد التي يعتقد الإنسان بانّه مضطرٌ أو عاجز فيها، فلو تأمّل بصدق لرأى خلافه.

وحتى إذا كان هذا الشخص صادق في اضطراره، فلعلّ قضاء حاجته لا تكون في مصلحته أو مصلحة النظام الكلّي، ولم يرد وعد باجابة دعاء كلّ مضطر، نعم لا يقدر على قضاء الحوائج الاّ الله أو خلفاؤه، وليس معنى هذا إجابة كلّ مضطر، وكثيراً ما كان من أصناف المضطرين والعجزة والموالي والمحبّين في أيّام حضور الحجج في مكة والمدينة والكوفة يسألون قضاء حوائجهم، فلم تقض ولم تُجَبْ، ولم يُقدّر إجابة دعاء كل عاجز وقضائها في أيّ زمان ومهما كانت، فانّ في هذا اختلال النظام، ورفع الأجر والثواب العظيم الجزيل لأصحاب البلاء والمصاب، فانّهم إذا رأوا ثوابهم يوم القيامة تمنّوا أن تتقطّع لحومهم بالمقاريض في الدنيا كي يصلوا إلى ثواب أكثر وأجر أوفر، ولكن الله تعالى مع قدرته الكاملة، وغنائه المطلق، وعلمه المحيط بذرّات وأجزاء الموجودات لم يؤاخذ خلقه بمثل ذلك.

 

الهوامش

(8) التهذيب للطوسي 1: 38؛ البحار 53: 174/ ح 7/ باب 31. (9) الغيبة: 238/ في ذكر أبي القاسم الحسين بن روح. (10) راجع بصائر الدرجات 2: 115/ ح 22/ باب 17، عنه البحار 26: 357/ ح 21/ باب 9؛ ولم نجده في المصدر. (11) البحار 192: 250/ ضمن حديث 10/ باب 59. (12) هكذا في المتن الفارسي وبصائر الدرجات لكن في الكشي: (هذا لمن معك في المصر). (13) اختيار معرفة الرجال 1: 319/ ح 162، ومثله بصائر الدرجات 5: 279/ باب 16/ ح 1؛ والبحار: 26: 140/ ح 11. (14) وفي رواية، طرحها أي الزيادة. (15) كمال الدين 1: 203/ ح 61؛ والإمامة والتبصرة: 30/ ح 11؛ وعلل الشرائع 1: 199/ ح 22؛ وبصائر الدرجات 7: 351/ باب 10/ ح 1؛ والبحار 23: 21/ ح 19. (16) راجع البحار 102: 234؛ والبلد الأمين: 157. (17) كمال الدين 2: 484/ ح 4/ باب 45؛ والاحتجاج 2: 283، عنه البحار 53: 181

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *