اللقاء بالإمام المهدي ع – الحكاية الحادية والعشرون: في اهتمام الإمام (ع) وتأكيده على احترام الأب الكبير

حكى العالم العامل الفاضل الكامل قدوة الصلحاء السيد محمّد الموسوي الرضوي النجفي المعروف بالهندي من الأتقياء العلماء وإمام جماعة مشهد أمير المؤمنين عليه السلام، عن العالم الثقة الشيخ باقر بن الشيخ هادي الكاظمي المجاور للنجف الأشرف، عن رجل صادق اللهجة كان دلاّكا(18) وله أب كبير مسنٌ، وهو لا يقصر في خدمته حتى انّه يحمل له الإبريق إلى الخلاء ويقف ينتظره حتى يخرج فيأخذ منه، ولا يفارق خدمته الاّ ليلة الأربعاء فانّه يمضي إلى مسجد السهلة، ثم ترك الرواح إلى المسجد.

فسألته عن سبب ذلك، فقال: خرجت أربعين أربعاء، فلمّا كانت الأخيرة لم يتيسّر لي أن أخرج إلى قريب المغرب، فمشيت وحدي وصار الليل وبقيت أمشي حتى بقي ثلث الطريق وكانت الليلة مقمرة.

فرأيت أعرابياً على فرس قد قصدني، فقلت في نفسي هذا سيسلبني ثيابي، فلمّا انتهى اليّ كلّمني بلسان البدو من العرب وسألني عن مقصدي، فقلت: مسجد السهلة، فقال: معك شيء من المأكول؟ فقلت: لا، فقال: أدخل يدك في جيبك (هذا نقل بالمعنى وامّا اللفظ: دورك يدك لجيبك).

فقلت: ليس فيه شيء، فكرّر عليّ القول بزجر حتى أدخلت يدي في جيبي، فوجدت فيه زبيباً كنت أشتريته لطفل عندي ونسيته فبقي في جيبي.

ثم قال لي الأعرابي: أوصيك بالعود، أوصيك بالعود، أوصيك بالعود _ والعود في لسانهم اسم للأب المسن _ ثم غاب عن بصري، فعلمت انّه المهدي عليه السلام، وانّه لا يرضى بمفارقتي لأبي حتى في ليلة الأربعاء فلم أعد.(1)

يقول المؤلف عباس القمي: قد كثرت الآيات والأخبار في الحثّ على إكرام الوالدين واحترامهم، وتجدر الإشارة هنا إلى بعضها.

روى الشيخ الكليني عن منصور بن حازم انّه قال: قلت (لأبي عبد الله عليه السلام): أيّ الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، وبرّ الوالدين، والجهاد في سبيل الله عز وجل.(2)

وروي أيضاً عن الصادق عليه السلام انّه قال: أتى رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله انّي راغب في الجهاد نشيط، قال: فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: فجاهد في سبيل الله، فانّك إن تقتل تكن حيّاً عند الله تُرزق، وإن تمت فقد وقع أجرك على الله، وإن رجعت رجعت من الذنوب كما ولدت.

قال: يا رسول الله إنّ لي والدين كبيرين يزعمان أنّهما يأنسان بي ويكرهان خروجي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فقرّ مع والديك فوالذي نفسي بيده لأنسهما بك يوماً وليلة خيرٌ من جهاد سنة.(3)

وروى الشيخ الكليني أيضاً عن زكريا بن إبراهيم انّه قال: كنت نصرانياً فأسلمت وحججت، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت: انّي كنت على النصرانيّة وانّي أسلمت… فقلت: إنّ أبي وأمّي على النصرانية وأهل بيتي، وأمّي مكفوفة البصر، فأكون معهم وآكل في آنيتهم؟

فقال: يأكلون لحم الخنزير؟ فقلت: لا ولا يمسّونه، فقال: لا بأس، فانظر امّك فبرّها…

فلمّا قدمت الكوفة ألطفت لأمّي، وكنت اُطعمها وأفلي ثوبها ورأسها وأخدمها، فقالت لي: يا بني ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني، فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفيّة؟

فقلت: رجلٌ من ولد نبيّنا أمرني بهذا، فقالت: هذا الرجل هو نبيّ؟ فقلت: لا ولكنّه ابن نبيّ، فقالت: يا بنيّ انّ هذا نبيّ انّ هذه وصايا الأنبياء، فقلت: يا امّه انّه ليس يكون بعد نبيّنا نبيّ ولكنّه ابنه، فقالت: يا بني دينك خير دين أعرضه عليّ، فعرضته عليها، فدخلت في الإسلام وعلّمتها، فصلّت الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ثم عرض لها عارض في الليل، فقالت: يا بني أعد عليّ ما علّمتني، فأعدته عليها فأقرّت به وماتت، فلمّا أصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها، وكنت أنا الذي صلّيت عليها ونزلت في قبرها.(4)

وروى أيضاً عن عمار بن حيان انّه قال: خبّرت أبا عبد الله عليه السلام ببرّ إسماعيل ابني بي، فقال: لقد كنت أحبّه وقد ازددت له حبّاً، انّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتته أختٌ له من الرضاعة، فلمّا نظر إليها سرّ بها وبسط ملحفته لها فأجلسها عليها، ثم أقبل يحدّثها ويضحك في وجهها، ثم قامت وذهبت، وجاء أخوها فلم يصنع به ما صنع بها، فقيل له: يا رسول الله صنعتَ بأخته ما لم تصنع به وهو رجل؟! فقال: لأنّها كانت أبرّ بوالديها منه.(5)

وروي عن إبراهيم بن شعيب انّه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ أبي قد كبر جداً وضعف فنحن نحمله إذا أراد الحاجة، فقال: إن استطعت أن تلي ذلك منه فافعل، ولقّمه بيدك فانّه جُنّة لك غداً.(6)

وروى الصدوق عن الصادق عليه السلام انّه قال: من أحبّ أن يخفّف الله عز وجل عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً، وبوالديه بارّاً، فإذا كان كذلك هوّن الله عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقر أبداً.(7)

 

الهوامش

(1) البحار 53: 245/ الحكاية الثامنة عشرة. (2) الكافي 2: 127/ ح 4/ باب البر بالوالدين. (3) الكافي 2: 128/ ح 10/ باب البرّ بالوالدين. (4) الكافي 2: 128/ ح 11/ باب البرّ بالوالدين. (5) الكافي 2: 129/ ح 12/ باب البرّ بالوالدين. (6) الكافي 2: 129/ ح 13/ باب البرّ بالوالدين. (7) البحار 74: 66/ ح 33/ باب 2، عن أمالي الصدوق.

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *