اللقاء بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
الحكاية الأولى – تشرف محمود الفارسي بخدمة الإِمام المهدي (ع) ، ودخوله في مذهب التشيع.
المصدر: كتاب جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة
حدًث السيد المعـظّم المبجّل ، بهـاء الدِّين عليُّ بن عبـدالحميد الحسينيُّ النجفي النيلي المعـاصـر للشهيـد الأول في كتـاب الغيبـة عن الشيخ العالم الكامل القدوة المقرىء الحافظ، المحمود الحاج المعتمر شمس الحقِّ والدِّين محمّد بن قارون قال : دعيت إلى امرأة فأتيتهـا وأنا أعلم أنّهـا مؤمنـة من أهـل الخير والصـلاح فـزوَّجهـا أهلهـا من محـمود الفارسيِّ المعروف بأخي بكر ، ويقـال له ولأقـاربه : بنو بكر، وكان أهل فـارس مشهورون بشـدَّة التسنّن والنصب والعـداوة لأهـل الإِيمـان وكـان محمود هذا أشـدَّهم في البـاب ، وقـد وفّقـه اللّه تعـالى للتشيّـع دون أصحـابـه . فقلت لها واعجبـاه كيف سمـح أبوك بك؟ وجـعلك مـع هؤلاء النواصب؟ وكـيف ااتفق لـزوجك مخـالفـة أهله حتّى ترفضهم فقـالت : يا أيها المقرئ إن لـه حكايـة عجيبـة إذا سمعها أهـل الأدب حكموا أنّها من العجب ، قلت : وما هي؟ قالت : سله عنها سيخبرك.
قـال الشيخ : فلمَّـا حضرنـا عنده قلت له : يـا محمود ما الذي أخـرجـك من ملة أهلك ، وأدخلك مـع الشيعـة؟ فقلت : يـا شيـخ لمّـا اتّضح لي الحق تبعته ، اعلم أنّه قد جـرت عادة أهـل الفرس أنهم إذا سمعوا بورود القوافل عليهم ، خرجوا يتلقونهم ، فاتفق أنّـا سمعنا بـورود قافلة كبيرة ، فخـرجت ومعي صبيان كثيـرون وأنا إذ ذاك صبيٌّ مراهق، فاجتهدنا في طلب القافلة ، بجهلنا ، ولم نفكّر في عاقبة الأمر ، وصرنـا كلّمـا انقـطع منّـا صبي من التعب خلوه إلى الضعف ، فضللنـا عـن الطريق ، ووقعنا في واد لم نكن نعـرفه ، وفيـه شوك ، وشجر ودغـل ، لم نر مثله قطُّ فـأخـذنـا في السير حتّى عجـزنـا وتـدلّت ألسنتنـا على صدورنا من العطش ، فأيقنّا بالموت ، وسقطنا لوجوهنا.
فبينمـا نحنِ كذلـك إذا بفارس على فـرس أبيض ، قد نـزل قـريبـاً منّا ، وطرح مفرشاَ لطيفاً لم نر مثله تفوح منـه رائحة طيّبـة ، فالتفتنـا إليه وإذا بفارس آخر على فرس أحمر عليـه ثياب بيض ، وعلى رأسـه عمامـة لهـا ذؤابتان ، فنـزل على ذلـك المفـرش ثمَّ قـام فصلّى بصـاحبـه ، ثمَّ جلس للتعقيب.
فـالتفت إليَّ وقال : يـا محمود ! فقلت : بصـوت ضعيف لبّيـك يـا سيّـدي ، قـال : أدن منّي ، فقلت : لا أستـطيـع لمـا بي من العـطش والتعب ، قال : لا بأس عليك.
فلمّـا قـالهـا حسبت كـأن قـد حـدث في نفسي روح متجـدِّدة ، فسعيت إليـه حبواً فمرّ يـده على وجهى وصـدري ورفعهـا إلى حنكي فـردَّه حتّى لصق بـالحنـك الأعلى ودخـل لسـاني في فمي ، وذهب مـا بي ، وعدت كـما كنت أولا.
فقـال : قم وإئتني بحنظلة من هـذا الحنظل وكـان في الـوادي حنظل كثير فـأتيته بحنظلة كبيرة فقسّمهـا نصفين ، وناولنيهـا وقال : كـل منها فأخـذتها منـه ، ولم اُقدم على مخـالفته وعنـدي من العقيدة والنظر أنه أمرني أن آكل الصبّر لمـا أعهـد من مـرارة الحنـظلِ فلمّـا ذقتهـا فـإذا هي أحلى من العسل وأبرد من الثلج ، وأطيب ريحاَ من المسك شبعت ورويت.
ثمَّ قـاك لى : ادع صـاحبـك ، فـدعوتـه ، فقـال بلسـان مكسـور ضعيف : لا أقدرعلى الحركة ، فقال له : قم لا بأس عليـك فأقبـل إليه حبوا وفعل معه كما فعل معي ثم نهض ليركب، فقلنا بالله عليك يا سيدنا إلاّ مـا أتممت علينـا نعمتـك ، وأوصلتنا إلى أهلنـا ، فقـال : لا تعجـلوا وخطً حولنا برمحه خـطّة ، وذهب هو وصـاحبه فقلت لصاحبي : قـم بنـا حتّى نقف بازاء الجبـل ونقـع على الـطريق ، فقمنـا وسـرنـا وإذا بحائط في وجوهنا فأخذنا في غير تلك الجهة فـإذا بحائط آخـر، وهكذا من أربع جوانبنا.
فجلسنـا وجعلنـا نبكي على أنفسنـا ثمَّ قلت لصاحبي : ائتنـا من هـذا الحنظل نأكـله ، فـأتى بـه فـإذا هـو أمرُّ من كـلِّ شيء ، وأقبـح ، فرمينا بـه ، ثمَ لبثنا هنيهـة وإذا قد استـدار من الوحش مـا لا يعلم إلاّ اللّه عـدده ، وكلّما أرادوا القـرب منّا منعهم ذلـك الحائط ، فـإذا ذهبـوا زال الحائط ، وإذا عادوا عاد.
قـال : فبتنـا تلك الليلة آمنين حتّى أصبحنـا ، وطلعت الشمس واشتـذَ الحرَّ وأخـذنا العطش فجزعنا أشدَّ الجزع، وإذا بالفـارسين قد أقبلا وفعلا كمما فعلا بـالأمس ، فلمّا أرادا مفـارقتنا قلنـا له : بـاللّه عليك الاّ أوصلتنا إلى أهلنا ، فقال : أبشـرا فسيـأتيكمـا من يـوصلكمـا إلى أهليكما ثم غابا.
فلمّا كان آخر النهار إذا برجل من فـراسنا ، ومعـه ثلاث أحمـرة ، قد أقبك ليحتطب فلمَا رآنـا ارتاع منّا وانهزم ، وتـرك حـميره فصحنا إليه بـاسمه ، وتسمينـا له فرجع وقـال : يا ويلكمـا إنَّ أهاليكمـا قـد أقـامـوا عزاءكـما ، قوما لا حـاجة لي في الحطب ، فقمنا وركبنـا تلك الأحمرة ، فلمّـا قربنـا من البلد ، دخل أمـامنا ، وأخبـر أهلنا ففـرحوا فـرحاً شـديداً وأكرموه وأخلعواعليه.
فلمّا دخلنـا إلى أهلنـا سألـونـا عن حـالنـا ، فحكينـا لهم بما شاهدناه ، فكذبونا وقالوا : هوتخييل لكم من العطش.
قال محـمود : ثم أنسـاني الدَّهرحتّى كأن لم يكن ، ولم يبق على خاطري شيء منه حتّى بلغت عشرين سنـة ، وتزوَجت وصـرت أخرج في المكـاراة ولم يكن في أهلي أشدُّ منّي نصبـاً لأهل الإِيمان ، سيما زوار الأئمّة عليهم السلام بسرَّ من رأى فكنت أكريهم الدواب بالقصد لأذيتهم
بكلِّ ما أقـدر عليه من السـرقة وغيرها. وأعتقد أن ذلك ممّا يقربني إلى اللّه تعالى.
فـاتّفق أنّي كريت دوابّي مرَّة لقوم من أهـل الحلّة ، وكانوا قادمين إلى الـزيـارة منـهم ابـن السـهيـلي وابن عـرفـة وابن حـارب ، وابن الزهـدري ، وغيـرهم من أهـل الصـلاح ، ومضيت إلى بغداد ، وهم يعـرفون مـا أنا عليـه من العناد ، فلمّـا خلوا بي من الطريق وقد امتلأوا عليَّ غيظاً وحنقاً لم يتركوا شيئاً من القبيح إلا فعلوه بي وأنا ساكت لا أقـدر عليهم لكثرتهم ، فلمّـا دخلنا بغـداد ذهبوا إلى الجانب الغربي فنزلوا هناك ، وقد امتلأ فؤادي حنقاً.
فلمّـا جـاء أصحـابي قمت إليهم ، ولطمت على وجهي وبكيت ، فقالوا: ما لـك ؟ ومـا دهـاك ؟ فحكيت لهم مـا جرى عليّ من اُولئك القوم ، فأخـذوا في سبّهم ولعنهم وقالـوا: طب نفساً فإنّا نجتمع معهم في الطريق إذا خرجوا ، ونصنع بهم أعظم ممّا صنعوا .
فلمّـا جنَّ اللّيـل ، أدركتني السعـادة ، فقلت في نفسي : إنَ هؤلاء الرافضة لا يـرجعون عن دينهم ، بـل غيرهم إذا زهـد يرجـع إليهم ، فما ذلـك إلا لأن الحق معهم فبقيت ّ مفكراً في ذلك ، وسألت ربى بنبيّه محمد صلى اللّه عليه وآلـه وسلم أن يريني في ليلتي علامة أستدلُ بها على الحقِّ الّذي فرضه اللّه تعالى على عباده .
فـأخذني النـوم فإذا أنـا بـالجنّـة قـد زخرفت ، فـإذا فيها أشجـار عظيمة ، مختلنـة الألـوان والثمـار ، ليست مثـل أشجـار الذُنيا ، – لأنَّ أغصانها مـدلاة ، وعروقها إلى فوق، ورأيت أربعة أنهار: من خمر، ولبن ، وعسل، وماء ، وهي تجـري وليس لها جرف بحيث لو أرادت النملة أن تشرب منها لشربت ، ورأيت نساء حسنـة الأشكال ورأيت قـوما يـأكـلون من تلك الثمار ، ويشـربون من تلك الأَنهـار ، وأنا لا أقـدر على ذلـك ، فكلّمـا أردت أن أتنـاول من الثمـار ، تصعّـد إلى فـوق ، وكلّمـا هممت أن أشـرب من تلك الأَنهـار ، تغـوَّر إلى تحت فقلت للقـوم : مـا بالكـم تأكلون وتشربون؟ وأنا لا اُطيق ذلك؟ فقـالوا : إنّـك لا تأتي إلينـا بـعد.
فبينمـا أنا كـذلك وإذا بفـوج عظيم ، فقلت : مـا الخبر؟ فقـالـوا : سيّدتنا فاطمة الزهراء عليهـا السلام قـد أقبلت ، فنظرت فـإذا بأفواج من الملائكة على أحسن هيئـة ، ينـزلـون من الهـواء إلى الأرض، وهم حـافون بهـا ، فلمّـا دنوت وإذا بـالفـارس الذي قـد خلّصنـا من العطش بـإطعامـه لنا الحنظل ، قائمـاً بين فـاطمة عليهـا السلام فلمّـا رأيته عـرفتـه ، وذكـرت تلك الحكـايـة ، وسمعت القـوم يقولون : هـذا م ح م د بن الحسن القائم المنتظر، فقام الناس فسلموا على فاطمة عليها السلام.
فقمت أنـا وقلت : السلام عليك يا بنت رسول الله، فقالت: وعليـك السلام يا محمود أنت الذي خلّصك ولدي هذا من العطش؟ فقلت : نعم ، يـا سيدتي ،فقالت : إن دخلت مع شيعتنا أفلحت ، فقلت : أنـا داخل في دينـك ودين شيعتك ، مقر بـإمـامـة من مضى من بنيك ، ومن بقى منهم ، فقالت : أبشرفقد فزت.
قـال محمـود : فـانتبهت وأنـا أبكي ، وقـد ذهـل عقلي ممّـا رأيت فـانزعـج أصحابي لبكائي ، وظنّوا أنـه ممّا حكيت لهم ، فقـالـوا : طب نفساً فـوالله لننتقمنّ من الرافضـة فسكتُ عنهم حتّى سكتوا، وسمعت المؤذِّن يعلن بالأَذان ، فقصت إلى الجانب الغـربيِّ ودخلت منزل اُولئـك الزُّوار ، فسلّمت عليهم ، فقـالـوا : لا أهـلاً ولا سهـلاً اخـرج عنّا لا بـارك اللّه فيـك ، فقلت : إنّي قـد عـدت مـعكـم ، ودخلت عـليكـم لتعلّمـوني معـالم ديني ، فبهتـوا من كـلامي ، وقـال بعضهم : كـذب ، وقال : آخرون جاز أن يصدق .
فسألوني عن سبب ذلـك ، فحكيت لهم ما رأيت ، فقـالوا : إن صدقت فإنّا ذاهبون إلى مشهـد الإمام مـوسى بنِ جعفر عليهما السلام ، فـامض معنا حتّى نشيّعـك هناك فقلت : سمعـاَ وطـاعـة ، وجعلت اُقبّـل أيـديهم وأقـدامهم ، وحملت اخـراجهم وأنـا أدعو لهم حتّى وصلنـا إلى الحضـرة الشريفـة ، فـاستقبلنـا الخـدَّام ، ومعهم رجـل علويٌّ كـان أكبـرهم ، فسلّموا على الزوار فقالـوا لـه : افتـح لنـا الباب حتّى نـزور سيّـدنا ومولانا ، فقال : حبّـا وكـرامـة ، ولكن معكـم شخص يـريـد أن يتشيِّع ، ورأيته في منامي واقفاً بين يـدي سيّدتي فـاطمة الـزهراء صلوات اللّه عليها ، فقالت لي : يأتيك غداً رجل يريد أن يتشيّع فافتـح له البـاب قبل كلِّ أحد ، ولو رأيته الآن لعرفته.
فنظرالقوم بعضهم إلى بعض متعجّبين ، فقـالوا : فشرع ينظر إلى واحـد واحد فقـال : اللهّ أكبر هـذا والله الرجل الّـذي رأيتـه ثمَّ أخـذ بيـدي فقال القـوم : صدقت يـا سيد زبررت، وصدق هـذا الرجل بمـا حكاه ، واستبشروا بـأجمعهم وحمدوا الله تعـالى ثمَّ إنّه أدخلني الحضـرة الشريفة ، وشيعني وتولّيت وتبريت.
فلمّـا تم أمري قال العلويُّ: َوسيّـدتـك فـاطمـة تقـول لـك : سيلحقـك بعض حـطام الـدُّنيـا فـلا تحفـل بـه ، وسيخلفـه الله عليـك ، وستحصل في مضايق فـاستغث بنا تنجـو، فقلت : السمع ، والـطاعة ، وكـان لي فـرس قيمتهـا مـائتـا دينـار فمـاتت وخلف اللّه عليَّ مثلهـا ، وأضعـافها ، وأصـابني مضايق فنـدبتهم ونجوت ، وفرَّج الله عني بهم وأنا اليوم أوالي من والاهم، وأعادي من عاداهم، وأرجو بهم حسن العاقبة.
ثم إني سعيت إلى رجل من الشيعة، فزوجني هذه المرأة، وتركت أهلي فما قبلت أن أتزوج منهم، وهذا ما حكى لي في تاريخ شهر رجب سنة ثمان وثمانين وسبعمائة هجرية، والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله. (دار السلام ج2 ص14-18).