جسد الحسين ع في كربلاء قيماً أخلاقية في غاية السمو وسطر ملاحم في الدرجة القصوى من العلو، ولذلك أصبح الحسين مثلاً يُحتذى ومنهجاً يُقتدى ونبراساً يُهتدى لطلاب الحرية وعشاق الكرامة عبر العصور والأجيال، كيف لا وهو صاحب الشعار الخالد “هيهات منا الذلة”، ولذا قال فيه الشيخ الدكتور أحمد الوائلي رحمه الله:
أمُـعَـلِّمَ الأجـيالِ قـانـونَ الإبـا والـثورةَ الـحمرا عـلى الإجـرامِ
لـكَ مـن جـميع الـثائـرينَ تحيةٌ وتَـجِـلَّةٌ تـزكـو عـلى الأيّــــامِ
قـد سـجَّلَ الـتاريخ أنَّكَ سيِّدُ الشـ ـهـدا ولـلأبطال ِ خـيرُ إمـــــامِ
إذ جـلَّ مـوقِفُكَ الـعظيمُ بـكربلا عـن مُـشبِهٍ فـي الصبرِ والإقدامِ
وإذا كان هذا هو حال الحسين في ثورته الخالدة فإنه لا يحتاج إلى مبالغات تسطر ولا أساطير تبتكر، ففيما قدمه الحسين ع وأهل بيته وأصحابه يوم عاشوراء ما يغني عن ذلك. بل إن ذلك كله إنما يسيئ لشخصية الحسين ويشوه تألقها ويعكر صفوها، ولعل أكثر من أورد مثل هذه الأساطير الواعظ السبزواري المعروف بالمولى حسين الكاشفي في كتابه “روضة الشهداء” والتي أبتدع فيها قصصاً كثيرة من قبيل عرس القاسم بن الحسن ع وزعفر الجني، وهناك أيضاً كتاب “أسرار الشهادة” للآغا الداربندي، كما أن هناك مؤلفات أخرى عديدة تنسج الأساطير حول عدد من قُتل بسيف الحسين وأهل بيته، وللأسف فإن هذه الأساطير لاقت رواجاً كبيراً لدى الخطباء فأخذوا يتداولونها في خطبهم دون تمحيص.
إننا نظلم الحسين ع عندما ننسب له هذه الأساطير المختلقة، فالحسين حقيقة وليس أسطورة، وكما يقول العلامة مرتضى المطهري فإننا “من الواجب ان نقيم المآتم على الحسين، اننا يجب ان نبكي الحسين (ع) ولكن ليس بسبب السيوف والرماح التي استهدفت جسده الطاهر الشريف في ذلك اليوم التاريخي، بل بسبب الاكاذيب التي أُلصقت بالواقعة، وينبغي على الناس أن تستمع إلى الماتم الحسيني الصادق”.
واستمراراً لهذا النهج المغالي في النظر إلى إستشهاد الحسين وأهل بيته فإن البعض أخترع “ممارسات” لا أساس لها تحت عنوان “الشعائر الحسينية” مثل المشي على النار والزجاج، بل إن منها أمور تأنفها النفس البشرية وتأباها الكرامة الإنسانية من قبيل من يطلقون على أنفسهم “كلاب رقية”. الحسين ع استشهد من أجل أن يعيش محبوه وأنصاره في عزة وكرامة وليس من أجل أن يصبحوا كلاباً. إذا كان جيش يزيد عليه اللعنة قتل الحسين جسدياً فإن من يشوه صفحة الحسين الناصعة البياض يقتله معنوياً.
بقلم الدكتور/ صلاح الفضلي
salahma@yahoo.com
@salahfadly