التفسير في دور التابعين

مدارس التفسير
نعم الخلف لخير سلف

لم يكد ينصرم عهد الصحابة الا وقد نبغ رجال اكفاء، ليخلفوهم في حمل امانة اللّه واداء رسالته في الارض، وهم التابعون الذين اتبعوهم باحسان، رضي اللّه عنهم ورضوا عنه، وذلك هو الفوز العظيم.

انهم رجال لم تمكنهم الاستضاة من انوار ذلك العهد (عهد الرسالة) الفائض بالخير والبركات، فاستعاضوا عنها بالمثول بين يدي اكابر الصحابة الاعلام، والعكوف على اعتابهم المقدسة، يستفيدون من علومهم و يهتدون بهداهم.

وقد كان اعيان الصحابة كثرة منتشرين في البلاد كنجوم السماء، مصابيح الدجى واعلام الهدى، اينما حلوا او ارتحلوا من بقاع الارض، وبذلك انتشرت تعاليم الاسلام، وشاع وذاع مفاهيم الكتاب والسنة النبوية بين العباد، في مختلف البلاد.

مدارس التفسير
وحيثما ارتحل صحابي جليل وحل به من بلد اسلامي كبير، كان قد شيد فيه مدرسة واسعة الرحب، بعيدة الارجاء، يبث بها معالم الكتاب والسنة، ويقصدها الرواد من كل صوب وكان اشهر هذه المدارس ـ حسب شهرة مؤسسيهاـ خمسة:

1- مدرسة مكة: اقامها عبد اللّه بن عباس، يوم ارتحل اليها عام الاربعين من الهجرة، حيث غادر البصرة وقدم الحجاز، بعد استشهاد الامام امير المؤمنين عليه السلام، وكان واليا من قبل الامام، فلم يتصد ولاية بعده، عاكفا على اعتاب حرم اللّه، يؤدي رسالته هناك في بث العلوم ونشر المعارف التي تعلمها واخذها عن الامام عليه السلام وقددامت المدرسة مدة حياته حتى عام ثمانية وستين، حيث وفاته بالطائف، رضوان اللّه عليه.

وقد تخرج من هذه المدرسة اكبر رجالات العلم في العالم الاسلامي حينذاك، وكان لهذه المدرسة ولمن تخرج منها صدى محمود في ارجاء البلاد، وبقيت آثارها الحسنة سنة متبعة بين العباد، ولا تزال ولعل اعلم التابعين بمعاني القرآن هم المتخرجون من مدرسة ابن عباس والمتعلمون على يديه.

قال ابن تيمية: واما التفسير فان اعلم الناس به اهل مكة، لانهم اصحاب ابن عباس، كمجاهد وعطاء وعكرمة وغيرهم من اصحاب ابن عباس كطاووس و ابي الشعثا و سعيد بن جبير وامثالهم وكذلك اهل الكوفة من اصحاب ابن مسعود ومن ذلك تميزوا به على غيرهم1.

2- مدرسة المدينة: قيامها على الصحابة الموجودين بها، ولا سيما ابى بن كعب الانصاري سيد القراء كان من اصحاب العقبة الثانية، وشهد بدرا والمشاهد كلها قال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم: ليهنك العلم، ابا المنذر.

وكان اول من كتب لرسول اللّه مقدمه المدينة، فاذا لم يحضر ابي كتب زيد ابن ثابت كان اقرا اصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ممن جمع القرآن حفظا على عهد رسول اللّه، وتاليفا بعد وفاته وكان قد تفرغ للاقراء بالمدينة ما لم يتفرغ له سائر الصحابة الباقين فيها.

ومن ثم تصدى الاملاء على لجنة توحيد المصاحف على عهد عثمان، وكانوا يرجعون اليه عند الاختلاف توفي سنة (30) في خلافة عثمان.

3- مدرسة الكوفة: اقام دعائمها الصحابي الكبير عبد اللّه بن مسعود، كان خصيصا برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم يخدمه و يتربى على يديه قال حذيفة: اقرب الناس برسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم هديا ودلا وسمتا، ابن مسعود ولقد علم المحفوظون من اصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ان ابن مسعود من اقربهم الى اللّه زلفى كان اول من جهر بالقرآن على ملامن قريش، فاوذي في اللّه واصطبر على البلاء كان قد هاجر الهجرتين و شهد المشاهد كلها.

قدم الكوفة ـ على عهد ابن الخطاب ـ معلما ومؤدبا، حتى احضره عثمان سنة (31) وكانت فيها وفاته ولما بلغ ابا الدرداء نعيه قال: ما ترك بعده مثله.

تربى على يديه خلق كثير، فمن التابعين: علقمة بن قيس النخعي، وابو وائل شقيق بن سلمة الاسدي الكوفي، والاسود بن يزيد النخعي، ومسروق بن الاجدع، وعبيدة بن عمرو السلماني، وقيس بن ابي حازم، وغيرهم.

وقد عرفت ان مدرسة الكوفة كانت اهم المدارس بعد مدرسة مكة، توسعا وشمولا لمعاني القرآن والفقه والحديث.

4ـ مدرسة البصرة: اقامها ابو موسى الاشعري: عبد اللّه بن قيس (44) قدم البصرة سنة (17) واليا عليهامن قبل عمر، بعد ان عزل المغيرة، ثم اقره عثمان، وبعد فترة عزله، فسار الى الكوفة ولما ان عزل سعيدااستعمله عليها، وعزله الامام امير المؤمنين عليه السلام، فكان يراود معاوية في سر، ولاخوة قديمة كانت بينهما، كما يبدو من وصية معاوية لابنه يزيد بشان ابي بردة ابن ابي موسى الاشعري2 كان منحرفا عن علي عليه السلام وافتضح امره يوم الحكمين.

وهو الذي فقه اهل البصرة واقراهم قال ابن حجر: وتخرج على يديه جماعة من التابعين ومن بعدهم3 واخرج الحاكم عن ابي رجا، قال: تعلمنا القرآن عن ابي موسى الاشعري في هذا المسجد ـ يعني مسجد البصرة ـ وكنا حلقا حلقا، وكانما انظر اليه بين ثوبين ابيضين4.

وكانت مدرسته ذات انحراف شديد، و من ثم كانت البصرة من بعده ارضا خصبة لنشوء كثير من البدع والانحرافات الفكرية والعقائدية، ولا سيما في مسائل الاصول والامامة والعدل.

قال عبد الكريم الشهرستاني: وسمعت من عجيب الاتفاقات ان ابا موسى الاشعري (المتوفى سنة 44) كان يقرر عين ما يقرر حفيده ابو الحسن الاشعري (المتوفى سنة 324) في مذهبه، وذلك قد جرت مناظرة بين عمرو بن العاص وبينه، فقال عمرو: اين اجد احدا احاكم اليه ربي؟ فقال ابو موسى: انا ذلك المتحاكم اليه. فقال عمرو: او يقدر علي شيئا ثم يعذبني عليه؟ قال ابو موسى: نعم،  قال عمرو: ولم؟ قال:لانه لا يظلمك! فسكت عمرو ولم يحر جواباً5.

وذكر ابن ابي الحديد ابا بردة ابن ابي موسى الاشعري فيمن ابغض عليا، وكان من القالين له، ثم قال: ورث البغضة له، لا عن كلالة6، اي كان هذا الحقد للامام امير المؤمنين ـ صلوات اللّه عليه ـ قد اتاه مستقيما من قبل والده، فكانت البغضة منه تليدا، ولم تاته من عرض عارض، لا تلد الحية الا الحية.

5ـ مدرسة الشام: قام بها ابو الدرداء عويمر بن عامر الخزرجي الانصاري كان من افاضل الصحابة وفقهائهم وحكمائهم اسلم يوم بدر، وشهد احدا وابلى فيها بلاء حسنا روي ان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم قال بشانه حينذاك: نعم الفارس عويمر، وقال: هو حكيم امتي.

تولى قضاء دمشق ايام خلافة عمر، وتوفي في خلافة عثمان سنة (32) ولم ينزل دمشق من اكابر الصحابة سوى ابي الدرداء، وبلال بن رباح المؤذن الذي مات في طاعون عمواس سنة (20) ودفن بحلب وكذا واثلة بن الاسقع، وكان آخر من مات بدمشق من اصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم مات سنة (85) في خلافة عبد الملك بن مروان.

تخرج على يدي ابي الدرداء جماعة من اكابر التابعين، منهم: سعيد بن المسيب، وعلقمة بن قيس، وسويد بن غفلة، وجبير بن نفير، وزيد بن وهب، وابو ادريس الخولاني، وآخرون.

كان ابو الدرداء من الثابتين على ولاء آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم تزعزعه العواصف.

روى الصدوق ـ في اماليه ـ باسناده الى هشام بن عروة بن الزبير عن ابيه عروة، قال:كنا جلوسا في حلقة في مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم نتذاكر اهل بدر وبيعة الرضوان، فقال ابو الدرداء: يا قوم، الااخبركم باقل القوم مالا واكثرهم ورعا واشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا: من؟ قال: ذاك امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.

قال عروة: فو اللّه، ما نطق ابو الدرداء بذلك الا و اعرض عنه بوجهه من في المجلس ثم انتدب له رجل من الانصار، فقال له: يا عويمر، لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها احد منذ اتيت بها فقال ابو الدرداء: يا قوم، اني قائل ما رايت، وليقل كل قوم منكم ما راوا ثم اخذ في بيان مواضع علي عليه السلام من العبادة والبكاء، عند ما كان يختلي بربه في ظلمة الليل والناس نيام7.

أعلام التابعين المفسرين
1ـ سعيد بن جبير.
2ـ سعيد بن المسيب.
3ـ مجاهد بن جبر.
4ـ طاووس بن كيسان.
5ـ عكرمة مولى ابن عباس.
6ـ عطاء بن ابي رباح.
7ـ عطاء بن السائب.
8ـ ابان بن تغلب.
9ـ الحسن البصري.
10ـ علقمة بن قيس.
11ـ محمد بن كعب القرظي.
12ـ ابو عبد الرحمان السلمي.
13ـ مسروق بن الاجدع.
14ـ الاسود بن يزيد النخعي.
15ـ مرة الهمداني.
16ـ عامر الشعبي.
17ـ عمرو بن شرحبيل.
18ـ زيد بن وهب.
19ـ ابو الشعثا الكوفي.
20ـ ابوالشعثا الازدي.
21ـ الاصبغ بن نباتة.
22ـ زر بن حبيش.
23ـ ابن ابي ليلى.
24ـ عبيدة بن قيس.
25ـ الربيع بن انس.
26ـ الحارث بن قيس.
27ـ قتادة بن دعامة.
28ـ زيد بن اسلم.
29ـ ابو العالية.
30ـ جابر الجعفي.

*التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، الشيخ محمد هادي عرفة، الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، ط1، ص315-320.


1- مقدمته في اصول التفسير، ص 23 ـ 24 (المطبعة السلفية 1385).
2- طبقات ابن سعد، ج4، ص 83 ق 1.
3- تهذيب التهذيب، ج5، ص 362.
4- المستدرك على الصحيحين، ج2، ص 220.
5- الملل و النحل، ج1، ص 94 ط القاهرة 1387 ه ق.
6- شرح النهج، ج4، ص 99.
7- بحار الانوار، ج41، ص 11، عن امالي الصدوق مج18، ص 69 ـ 70 (ط نجف ).

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *