﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ﴾ 1
فقد ذهب أكثر العلماء إلى أنها منسوخة2 ولكن وقع الكلام في ناسخها فعن قتادة ومجاهد أنها منسوخة بتحريم الخمر. وحكي هذا القول عن الحسن أيضا3، وعن ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى:﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِق﴾ِ4
وكلا هذين القولين ظاهر الفساد
أما القول الاول: فلأن الآية الكريمة لا دلالة فيها على جواز شرب الخمر بوجه، وإن فرض أن تحريم الخمر لم يكن في زمان نزول الاية، فالاية لا تعرض لها لحكم الخمر رخصة أو تحريما. على أن هذا مجرد فرض لا وقوع له، ففي رواية ابن عمر: نزلت في الخمر ثلاث آيات فأول شئ نزل:﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ﴾ 5
فقيل: حرمت الخمر، فقيل يا رسول الله دعنا ننتفع بها، كما قال الله عز وجل،فسكت عنهم،ثم نزلت هذه الاية: ﴿ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى ﴾6 -7. وروى نحو ذلك أبو هريرة 8
وروى أبو ميسرة عن عمر بن الخطاب قال: “لما نزل تحريم الخمر، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت هذه الاية التي في سورة البقرة:﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِير ﴾ٌ9،قال: فدعي عمر فقرئت عليه، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الاية التي في سورة النساء:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى ﴾10 فكان منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقام الصلاة نادى:” لا يقربن الصلاة سكران، فدعي عمر فقرئت عليه”، فقال: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الاية التي في المائدة فدعي عمر فقرئت عليه، فلما بلغ: ﴿ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾11 قال: فقال عمر: “انتهينا انتهينا” 12. وأخرج النسائي أيضا هذا الحديث باختلاف يسير في ألفاظه13.
4ثوأما القول الثاني: فلان وجوب الوضوء عند القيام إلى الصلاة لا مساس له بمضمون الاية الكريمة ليكون ناسخا لها. ولعل القائل بالنسخ يتوهم فيقول: إن النهي عن القرب إلى الصلاة حالة السكر يقتضي أن يراد بالسكر ما لا يبلغ بالشخص إلى حد الغفلة عن التكاليف وامتثالها، وعدم الالتفات إليها. فإن الذي يصل به السكر إلى هذا الحد يكون تكليفه قبيحا، وعلى ذلك فإذا فرضنا أن شخصا شرب الخمر، وحصل له هذا المقدار من السكر فهو مكلف بالصلاة بالاجماع، وذلك يستلزم نسخ مفاد الاية. ولكن هذا القول توهم فاسد، فإن المراد بالسكر بقرينة قوله تعالى:﴿ حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ ﴾ 14. هي المرتبة التي يفقد السكران معها الشعور، وهذا النهي قد يحمل على الحرمة التكليفية، ولا ينافيها فقد الشعور، لان إقامة الصلاة في ذلك الحال، وإن كانت غير مقدورة إلا أن فقده لشعوره هذا كان باختياره، والعقل لايمنع من معاقبة تارك الصلاة في هذه الحالة، لأن تركه للصلاة كان بسوء اختياره الناتج عن سكره بسبب شربه للخمر بارادته، فيصح تعلق النهي بها قبل أن يتناول المسكر باختياره، ومثل هذا كثير في الشريعة الاسلامية.
وقد يراد من النهي: الارشاد إلى فساد الصلاة في هذا الحال كما هو الظاهر من مثل هذا التركيب، والامر على هذا الاحتمال واضح جدا، وعلى كل فلا سبب يوجب الالتزام بالنسخ في الاية.
*البيان في تفسير القرآن – السيد الخوئي – ص334 – 335 -336 – 337
1- النساء: 43
2- (الناسخ والمنسوخ للنحاس – ص109)
3- (أحكام القرآن للجصَّاص – ج2 ص201)
4- المائدة: 6
5- البقرة: 219
6- النساء: 43
7- ( مسند الطيالسي – ج8 ص264)
8- (مسند أحمد – ج 2 ص 351 )
9- البقرة: 219
10- النساء: 43
11- المائدة: 91
12-( مسند أحمد – ج1 ص53)
13– (سنن النسائي – باب تحريم الخمر – ج2 ص323)
14-النساء: 43