شبكة محبي وأنصار الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) تتقدم بخالص العزاء لمقام حضرة صاحب العصر والزمان “عجل الله تعالى فرجه” والمراجع العظام وعلمائنا الكرام والأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام علي بن الحسين (زين العابدين) عليهما السلام سائلين المولى عزوجل بأن يرزقنا و إياكم في الدنيا زيارته و في الآخرة شفاعته.
يوم الخامس و العشرون من شهر محرم الحرام ذكرى استشهاد الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
لهفي عليه يئن في أغلاله … بين العدى ويقاد بالأصفاد
مضنى وجامعة الحديد بنحره … غل يعاني منه شر قياد
تحدو به الأضغان من بلد الى … بلد وتسلمه الى الأحقاد
حتى قضى سما وملأ فؤاده … ألم تحز مداه كل فؤاد .
نبذة عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)
الاسم: علي (عليه السلام).
الأب: الإمام الحسين (عليه السلام).
الأم: شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى،وقيل: إن اسمها (شهربانو).
الكنية: أبو محمد، والخاص: أبو الحسن، ويقال: أبو القاسم.
الألقاب: زين العابدين، سيد الساجدين، سيد العابدين، الزكي، الأمين، السجاد، ذو الثفنات.
نقش الخاتم: وما توفيقي إلا بالله.
مكان الولادة: المدينة المنورة.
زمان الولادة: يوم الخميس 15 جمادى الآخرة، وقيل: يوم الخميس لتسع خلون من شعبان، سنة 38 للهجرة، قبل وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) بسنتين. وقيل: سنة 37، وقيل: سنة 36، فبقي مع جده أمير المؤمنين (عليه السلام) أربع سنين ومع عمه الحسن (عليه السلام) عشر سنين ومع أبيه عشر سنين. وقيل: مع جده سنتين ومع عمه اثنتي عشرة سنة، ومع أبيه ثلاث عشر سنة.
العمر: 57 عاماً.
زمان الشهادة: 25 محرم 95 هـ، وقيل: سنة 94 هـ.
مكان الشهادة: المدينة المنورة.
القاتل: هشام بن عبد الملك حيث سمّه بأمر الوليد بن عبد الملك.
المدفن: البقيع الغرقد في المدينة المنورة مع عمه الإمام الحسن(عليه السلام) ، حيث مزاره الآن،.
كان أفضل أهل زمانه علما وزهدا وعبادة وكرما وتواضعا، ويكفي دلالة على فضله (ع) الأدعية المأثورة عنه مثل الصحيفة السجادية ودعاء السَحَرْ وغيرها البالغة أعلى مراتب الفصاحة والبلاغة.
أما كرمه وسخاؤه فقد كان عليه السلام يحمل الجراب مملوءاً طعاماً ودراهماً في كل ليلة ويطوف به على بيوت الفقراء في المدينة ويناولهم وهو متلثم لئلا يعرفه أحد.
وروى الرواة أنه إذا توضأ للصلاة إصْفَر لونه فيقال له: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أريد أن أقف .. وإذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فيقال له: مالك يا ابن رسول الله؟ فيقول: ما تدرون لمن أريد أن أناجي. ووقع حريق في داره وهو ساجد، فاجتمع الناس وقالوا: النار النار يا ابن رسول الله، فلم يكترث ولم يرفع رأسه حتى أطفئت فقيل له: ما الذي ألهاك عنها؟ فقال: ألهتني النار الكبرى، إلى غير ذلك من المرويات الكثيرة التي تحدثت عن بره ومعروفه وسماحته وعبادته وسخائه.
وكان مع كل ذلك مهابا معظما، فقد دخل على عبدالملك بن مروان الذي كان حاقدا عليه، فلما نظر إليه مقبلاً عليه قام إليه وأجلسه وأكرمه، فقيد لابن مروان في ذلك فقال: لما رأيته امتلأ قلبي رعبا. ولما دخل على مسلم بن عقبة في المدينة قال: لقد ملئ قلبي منه خيفة.
السجاد وهشام بن عبدالملك:
جاء في رواية السبكي في طبقات الشافعية أن هشام بن عبدالملك حج في بعض السنين فطاف حول البيت وحاول أن يلمس الحجر الأسود فلم يجد لذلك سبيلاً من كثرة الزحام فوضع له كرسيا في ناحية من نواحي الحرم وجلس ينتظر أن يخف الزحام عن الحجر الأسود ليلمسه ووقف حوله أهل الشام، وفيما ينظر إلى الناس إذ أقبل الإمام زين العابدين (ع) وكان من أحسن الناس وجها وأطيبهم إرجاً على حد تعبير الراوي فطاف بالبيت فلما بلغ الحجر إنفرج له الناس، ووقفوا له إجلالاً وتعظيماً حتى إذا استلم الحجر وقبله والناس وقوف ينظرون إليه وكأنما على رؤوسهم الطير، فلما مضى عنه عادوا إلى طوافهم، هذا وهشام بن عبدالملك ومن معه من أهل الشام يرون كل ذلك ونفس هشام يعبث فيها الحقد والحسد، أما من كان معه من وجوه الشام فكانوا لا يعرفون الرجل الذي هابه الناس وأفرجوا له عن الحجر، والخليفة حاول هو وجنده أن يجدوا ممرا إلى الحجر فلم تجدهم المحاولة. فالتفت أحدهم إلى هشام بن عبدالملك وسأله: من هذا الذي هابه الناس هذه المهابة فقال: لا أعرفه، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام. وكان الفرزدق الشاعر حاضراً فقال: أنا أعرفه. فقال الشامي: ومن هو يا أبي فراس؟ ومضى على البديهة في وسط تلك الجموع المحتشدة يقول:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
يكاد يمسكه عرفان راحته
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
إذا رأته قريش قال قائلها
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله
بجده أنبياء الله قد خُتِموا
وليس قولك من هذا بضائره
العرب تعرف من أنكرت والعجم
إلى آخر القصيدة التي تبلغ نحوا من 30 بيتا تقريبا كما في رواية ابن الجوزي والسبكي في طبقات الشافعية.
من كلامه عليه السلام:
كان عليه السلام يوصي أصحابه بأداء الأمانة ويقول: فوالذي بعث محمداً بالحق لو أن قاتل أبي الحسين إئتمنني على السيف الذي قتل به لأديته إليه.
وجاء عنه (ع) أنه قال لولده الإمام أبي جعفر محمد الباقر (ع) حين حضرته الوفاة: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله. وكان (ع) يقول: من استجار بأحد إخوانه ولم يجره فقد قطع ولاية الله عنه.
ويقول: إن لله عباداً يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة ومن أدخل على مؤمن سرورا فرح الله قلبه يوم القيامة.
اغتياله بالسم
كان الإمام يتمتع بشعبية هائلة، فقد تحدث الناس – بإعجاب – عن علمه وفقهه وعبادته، وعجبت الأندية بالتحدث عن صبره، وسائر ملكاته، وقد احتل قلوب الناس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظى برؤيته، والسعيد من يتشرف بمقابلته والاستماع إلى حديثه، وقد شق ذلك على الأمويين، وأقضّ مضاجعهم وكان من أعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك، فقد روى الزهري أنه قال: (لا راحة لي، وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا) وأجمع رأي هذا الخبيث الدنس على اغتيال الإمام حينما آل إليه الملك والسلطان، فبعث سماً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسه للإمام ونفذ عامله ذلك، وقد تفاعل السم في بدن الإمام، فأخذ يعاني أشد الآلام وأقساها، وبقي حفنة من الأيام على فراش المرض يبث شكواه إلى الله تعالى، ويدعو لنفسه بالمغفرة والرضوان، وقد تزاحم الناس على عيادته، وهو (عليه السلام) يحمد الله، ويثني عليه أحسن الثناء على ما رزقه من الشهادة على يد شر البرية.
وصاياه لولده الباقر:
وعهد الإمام زين العابدين إلى ولده الإمام محمد الباقر (عليهما السلام) بوصاياه، وكان مما أوصاه به ما يلي:
1- أنه أوصاه بناقته، فقال له: إني حججت على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها بسوط، فإذا نفقت فادفنها، لا تأكل لحمها السباع، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من نعم الجنة، وبارك في نسله ونفذ الإمام الباقر ذلك.
2- أنه أوصاه بهذه الوصية القيمة التي تكشف عن الجوانب المشرقة من نزعات أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال له: (يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، فقد قال لي: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله).
3- أنه أوصاه أن يتولى بنفسه غسله وتكفينه وسائر شؤونه حتى يواريه في مقره الأخير.
إلى جنة المأوى:
وثقل حال الإمام، واشتد به المرض، وأخذ يعاني آلاماً مرهقة، فقد تفاعل السم مع جميع أجزاء بدنه، وأخبر الإمام أهله أنه في غلس الليل البهيم سوف ينتقل إلى الفردوس الأعلى، وأغمي عليه ثلاث مرات، فلما أفاق قرأ سورة الفاتحة وسورة (إنا فتحنا) ثم قال (عليه السلام): (الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين).
وارتفعت روحه العظيمة إلى خالقها كما ترتفع أرواح الأنبياء والمرسلين، تحفها بإجلال وإكبار ملائكة الله، وألطاف الله وتحياته.
لقد سمت تلك الروح العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعبادتها وتجردها من كل نزعة من نزعات الهوى.
تجهيزه:
وقام الإمام أبو جعفر الباقر بتجهيز جثمان أبيه، فغسل جسده الطاهر، وقد رأى الناس مواضع سجوده كأنها مبارك الإبل من كثرة سجوده لله تعالى، ونظروا إلى عاتقه كأنه مبارك الإبل، فسألوا الباقر عن ذلك، فقال أنه من أثر الجراب الذي كان يحمله على عاتقه، ويضع فيه الطعام، ويوزعه على الفقراء والمحرومين وبعد الفراغ من غسله أدرجه في أكفانه، وصلى عليه الصلاة المكتوبة.
تشييعه:
وجرى للإمام تشييع حافل لم تشهد يثرب له نظيراً فقد شيعه البر والفاجر، والتفت الجماهير حول النعش العظيم والهين جازعين في بكاء وخشوع، وإحساس عميق بالخسارة الكبرى، فقد فقدوا بموته الخير الكثير، وفقدوا تلك الروحانية التي لم يخلق لها مثيل لقد عقلت الألسنة، وطاشت العقول بموت الإمام، فازدحم أهالي يثرب على الجثمان المقدس فالسعيد من يحظى بحمله، ومن الغريب أن سعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في المدينة لم يفز بتشييع الإمام والصلاة عليه، وقد أنكر عليه ذلك حشرم مولى أشجع، فأجابه سعيد: أصلي ركعتين في المسجد أحب إلي من أن أصلي على هذا الرجل الصالح في البيت الصالح. وهو اعتذار مهلهل فإن حضور تشييع جنازة الإمام (عليه السلام) الذي يحمل هدي الأنبياء من أفضل الطاعات وأحبها عند الله تعالى.
في مقره الأخير:
وجيء بالجثمان الطاهر وسط هالة من التكبير والتحميد إلى بقيع الغرقد، فحفروا له قبراً بجوار قبر عمه الزكي الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنزل الإمام الباقر (عليه السلام) جثمان أبيه فواراه في مقره الأخير، وقد وارى معه العلم والبر والتقوى، ووارى معه روحانية الأنبياء والمتقين.
وبعد الفراغ من دفنه هرع الناس نحو الإمام الباقر، وهم يرفعون إليه تعازيهم الحارة، ويشاركونه في لوعته وأساه، والإمام مع أخوته وسائر بني هاشم يشكرونهم على مشاركتهم في الخطب الفادح الجلل، والمصاب العظيم!!.