واجب المودّة في القربى مبدأ قرآنيّ، تعامل معه العلماء المسلمون باعتباره أساساً عقائديّاً يمتاز به المؤمن عن المنافق، ولم تستطع كلّ أمبراطوريّات الظلام والتحريف أن تفصل الأمّة عن هذا المبدأ الركن والأساس. نعم، كان من الطبيعيّ أن يتمكّن التحريفيّون من تغييب تفاصيل رئيسة
-في سياق هذا المبدأ- من قبيل أنّ «حبّ الزهراء عليها السلام ينفع في مائة موطن..» أيسرها محطات فاصلة في طريق الآخرة والقيامة. ومن قبيل «عظمة جزاء الله تعالى على حبّ الزهراء عليها السلام».
في ما يلي روايات مختارة حول «حبّ فاطمة» عليها السلام، مع العناية بتظهير اتفاق علماء المسلمين شيعة وسنّة على ما ثبت الاتفاق عليه، تنبيهاً إلى أنّ التمايز الواجب إنّما هو مع النواصب، أمّا مع محبّي أهل البيت عليهم السلام، فالواجب هو التوحّد على حبّ الله تعالى ورسوله وأهل البيت عليهم السلام.
روى العلماء المسلمون الشيعة والسنّة ما يكاد لا يُحصى من الروايات في فضائل أهل البيت عليهم السلام عموماً، وفضائل كلٍّ منهم عليهم السلام.
* من هذه الروايات ما أورده السيّد المرعشي في (شرح إحقاق الحقّ) بعنوان:
«حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، ومن أحبّها فهو في الجنّة، وويلٌ لِمَن يظلمها»:
«.. عن سلمان، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: يا سلمان، مَن أحبَّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي، ومَن أبغضها فهو في النار. يا سلمان، حبّ فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت، والقبر، والميزان، والمحشر، والصراط، والمحاسبة، فمن رَضيتْ عنه ابنتي فاطمة رضيتُ عنه، ومَن رضيتُ عنه رضيَ اللهُ عنه، ومَن غَضِبتْ عليه ابنتي فاطمة غَضبتُ عليه، ومَن غَضبْتُ عليه غضبَ اللهُ عليه. يا سلمان، وَيلٌ لِمَن يظلمها ويظلم بعلها، ووَيلٌ لِمَن يظلم ذُرِّيَّتها وشيعتها».
* وقد علّق السيّد المرعشي على هذه الرواية بكلام طويل استعرض فيه المصادر السنّية التي أوردت هذه الرواية، مع ذكر السند في كلّ مصدر. وممّا قال رحمه الله: «رواه جماعة من أعلام القوم: منهم العلّامة أبو المؤيّد أحمد بن موفّق في كتابه (مقتل الحسين) قال: وذكر محمّد بن شاذان هذا، أخبرنا أبو الطيّب محمّد بن الحسين التيملي، عن عليّ بن العباس، عن بكّار بن محمّد، عن نصر بن مزاحم، عن زياد بن المنذر، عن زاذان». ثمّ تتبّع المصادر السنّية التي أوردت هذه الرواية مع ذكر طريق الرواية وسندها. وهي المنهجيّة التي اعتمدها السيّد المرعشي لتكشف عن المتّفق على روايته من فضائل أهل البيت عليهم السلام، ومن بينها هذه الرواية «حبّ فاطمة ينفع في مائة موطن».
* وقد نظم هذه الرواية الشاعر النجفي الشيخ عبد المنعم الفرطوسي (المولود سنة 1335 للهجرة):
قال في أرجوزته الشهيرة «ملحمة أهل البيت» تحت عنوان «حبّ فاطمة عليها السلام ينفع في مواطن»:
إنّ حبَّ الزهراءِ ينفع حقّاً أهلَهُ في مَواطنَ للبلاءِ
وأقلُّ الأهوالِ منها بلاءً ساعةُ الموت عند وقت الفناءِ
وعذابُ القبورِ والحشرُ منها وعبورُ الصراط يومَ البقاءِ
وحسابُ العباد والوزنُ عدلاً عند وضع الميزان يوم اللقاءِ
ليس يُنجي العبادَ بالأمن منها غيرُ حبِّ الزكيةِ الحوراءِ
فمُحبُّ الزهراء يدخل حقاً في جنان المأوى مع الصلحاءِ.
* حبّ الزهراء في يوم المحشر
في كتابه (شرح الأخبار) أورد القاضي النعمان (ت 363 للهجرة): روى بإسنادٍ إلى الإمام جعفر الصادق، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: «إذا كان يوم القيامة نُصب للنبيّين منابرُ من نور، ونُصب لي في أعلاها منبر، ثمّ يُقال لي: قُم فاخطب، فأرقى منبري، فأخطب خطبة لم يخطب أحد مثلها. ثمّ تُنصب منابرُ من نور للوصيّين، فيكون عليّ على أعلاها منبراً، ثمّ يقال له: اخطب، فيخطب بخطبة لم يخطب مثلها أحد من الوصيّين. ثمّ تنصب منابر من نور لأولاد الوصيّين، فيكون الحسن والحسين على أعلاها، ثمّ يقال لهما: قوما فاخطبا، فيخطبان بما لم يخطب به أحد من أبناء الوصيّين.
ثمّ ينادي منادٍ: يا أهل الجمع غضّوا أبصاركم وطأطئوا رؤوسكم لتجوز فاطمة بنت محمّد. فيفعلون ذلك، وتجوز فاطمة “..” حتّى إذا صارت إلى باب الجنّة، ألقى الله عزّ وجلّ في قلبها أن تلتفت. فيُقال لها: ما التفاتك؟ فتقول: أيْ ربِّ، إنّي أحبُّ أن تريني قدري في هذا اليوم، فيقول الله: ارجعي يا فاطمة، فانظري مَن أحبّك وأحبّ ذريّتك، فخذي بيده وأدخليه الجنة».
قال جعفر بن محمّد عليه السلام: «فإنّها لتلتقط شيعتها ومُحبّيها كما يلتقط الطير الحَبَّ الجيّد من بين الحَبِّ الرديء، حتّى إذا صارت هي وشيعتها ومحبُّوها على باب الجنّة، ألقى الله عزّ وجلّ في قلوب شيعتها ومُحبّيها أن يلتفتوا. فيُقال لهم: ما التفاتكم وقد أُمرتم إلى الجنّة؟ فيقولون: إلهنا، نُحبُّ أن نرى قدرنا في هذا اليوم، فيقال لهم: ارجعوا، فانظروا مَن أحبَّكم في حبِّ فاطمة أو سلَّم عليكم في حبِّها أو صافحكم، أو ردّ عنكم غيبة فيه، أو سقى جرعة ماء، فخذوا بيده، فأدخلوه الجنّة». قال جعفر بن محمّد صلوات الله عليه: «فوالله ما يبقى يومئذٍ في النار إلّا كافر أو منافق في ولايتنا، فعندها يقولون: ﴿فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم * فلو أنّ لنا كرّة فنكون من المؤمنين﴾ الشعراء:100-102». ثمّ قال جعفر بن محمد صلوات الله عليه: كذبوا، ﴿..ولو رُدُّوا لعادوا لِما نُهوا عنه وإنّهم لكاذبون﴾ الأنعام:28، كما قال تعالى. ثمّ ينادي منادٍ: لِمَن الكرم اليوم؟ فيُقال: لله الواحد القهار ولمحمّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين».