وأمّا العلامات غير الحتميّة فهي كثيرة، ظهر بعضها وبقي بعضها الآخر، ونشير هنا إلى بعضها على نحو الإجمال:
الأولى: هدم جدار مسجد الكوفة.
الثانية: فيضان شطّ الفرات وجريانه في أزقّة الكوفة.
الثالثة: عمران الكوفة بعد خرابها.
الرابعة: ظهور الماء في بحر النجف.
الخامسة: جريان نهر من شط الفرات إلى الغريّ أي النجف الأشرف.
السادسة: ظهور المذنّب (نجمة لها ذيل) عند نجمة الجدي.
السابعة: القحط الشديد قبل الظهور.
الثامنة: وقوع زلزلة شديدة، وظهور الطاعون في كثير من البلدان.
التاسعة: القتل البيوح، أي القتل الكثير الذي لم ينقطع.
العاشرة: تحلية المصاحف، وزخرفة المساجد، وتطويل المنائر.
الحادية عشرة: هدم مسجد براثا.
الثانية عشرة: ظهور نار ما بين الأرض والسماء من الشرق إلى ثلاثة أو سبعة أيّام، وتكون سبباً لخوف الناس ودهشتهم.
الثالثة عشرة: ظهور حمرة شديدة تنتشر في السماء حتى تملأه.
الرابعة عشرة: كثرة القتل وسفك الدماء في الكوفة بسبب الرايات المختلفة.
الخامسة عشرة: مسخ طائفة إلى صورة القردة والخنازير.
السادسة عشرة: خروج الرايات السود من خراسان.
السابعة عشرة: هطول مطر شديد غزير، في شهر جُمادى الثانية وشهر رجب، لم يُر مثله.
الثامنة عشرة: تحرّر العرب من القيود بحيث انّ بإمكانهم الذهاب إلى كلّ مكان أرادوا، وفعل كلّ ما أرادوا.
التاسعة عشرة: خروج سلاطين العجم عن الوقار.
العشرون: طلوع نجمة من المشرق تزهر كالقمر وهيأتها هيأة غرّة القمر، ولطرفيها انحناء يوشك أن يتّصلا، ولها نور شديد يدهش الأبصار من رؤيته.
الحادية والعشرون: امتلاء العالم بالظلم والكفر والفسوق والمعاصي، ولعلّ الغرض من هذه العلامة غلبة الكفر والفسوق والفجور والظلم في العالم، وانتشاره في جميع البلاد، وميل الخلق إلى أفعال وأطوار الكفّار والمشركين، والتشبّه بهم في الحركات والسكنات والمساكن والألبسة، وضعف الحال والتسامح في أمور الدين وآثار الشريعة، وعدم التقيّد بالآداب والسنن، كما في زماننا هذا الذي نرى فيه تشبّه الناس بالكفار يزداد يوماً بعد يوم في جميع الجهات الدنيوية، بل وفي أخذ قواعد الكفر والعمل بها في الأمور الظاهرية.
وكثيراً ما يعتقدون ويعتمدون على أقوالهم وأعمالهم، ويثقون تماماً بهم في جميع الأمور، وقد يسري هذا التشبّه بالكفار إلى العقائد الإسلامية فيتركوها، بل أنّهم يعلّمونها لأطفالهم كما هو المرسوم في يومنا هذا، فانّهم ومن البداية لا يدعون الآداب والأصول الإسلامية تترسّخ في أذهانهم، فيكون مآل أكثرهم عند البلوغ فساد العقيدة وعدم التديّن بدين الإسلام، وهكذا يستمرّ حالهم عند الكبر، وقس على هذا حال الذين يعاشرون هؤلاء الأشخاص، وحال من يتّبعهم من الزوجة والأطفال.
بل لو تأمّلت جيّداً لرأيت أنّ الكفر مستولٍ على العالم الاّ أقلّ القليل والنزر اليسير من عباد الله الذين أكثرهم من ضعفاء الإيمان وناقصي الدين، وذلك انّ أكثر بلاد المعمورة تقع تحت تصرّف الكفار والمشركين والمنافقين، وأكثر أهاليها من أهل الكفر والنفاق والشرك الاّ النادر.
وامّا أهل الإيمان وهم الشيعة الاثنا عشرية، فانّ تفرّقهم وتشتتهم وصل إلى درجة انّ أهل الحق بينهم قليل ونادر؛ لاختلافهم في العقائد الأصولية الدينيّة والمذهبيّة، وهذا القليل النادر من أهل الإيمان سواء من العوام أم الخواص أكثرهم لا يعرف من الإسلام والإيمان الاّ الاسم غير المطابق للمسمّى، وذلك لارتكاب الأعمال القبيحة والأفعال الشنيعة المحرمة من أنواع المعاصي والنواهي، كأكل الحرام والظلم وتعدّي بعضهم على بعض في الأمور الدينية والدنيوية.
فلا يبقى حينئذٍ من الإسلام ومن الذين ينتحلونه حقّاً أثر الاّ القليل، وهم مغلوبون على أمرهم ومنكوبون، فلا يترتّب على وجودهم أثر لترويج الشريعة، فيصبح المعروف عند الناس منكراً والمنكر معروفاً، ولا يبقى من الإسلام الاّ رسمه واسمه، كأن طريقة أمير المؤمنين عليه السلام وسيرة الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين قد تُركت، ويوشك والعياذ بالله أن تُطوى الشريعة بالمرّة، ويرى ويسمع جميع الناس انّ ما ذكرناه في ازدياد يوماً فيوماً، ويظهر في هذا الزمان ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: انّ الإسلام بدئ غريباً وسيعود غريباً.(23)
ويوشك أن يمتلأ العالم بالظلم والجور، بل هو الآن عين الظلم والجور في الحقيقة، فلا بدّ لهؤلاء القليل من عباد الله المؤمنين أن يسألوا الله تعالى على الدوام ليلاً ونهاراً، ويبتهلوا ويتضرّعوا كي يعجّل الله تعالى فرج آل محمّد عليهم السلام.
ونُقل عن أمير المؤمنين عليه السلام انّه قال في بعض خطبه:
(إذا صاح الناقوس، وكبس الكابوس، وتكلّم الجاموس، فعند ذلك عجائب وأيّ عجائب، أنار النار بنصيبين، وظهرت راية عثمانيّة بوادٍ سودٍ، واضطربت البصرة، وغلب بعضهم بعضاً، وصبا كلّ قوم إلى قوم _ إلى أن قال عليه السلام: _ وأذعن هرقل بقسطنطنية لبطارقة السفياني، فعند ذلك توقعوا ظهور متكلّم موسى من الشجرة على طور).
وقال أيضاً في بعض كلامه يخبر به عن خروج القائم عليه السلام:
(إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة، واستحلّوا الكذب، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشا، وشيّدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا، واستعملوا السفهاء، وشاوروا النسآء، وقطعوا الأرحام، واتّبعوا الأهواء، واستخفّوا بالدماء، وكان الحلم ضعفاً، والظلم فخراً، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقرّاء فسقة، وظهرت شهادات الزور، واستعلن الفجور، وقول البهتان والإثم والطغيان.
وحلّيت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطوّلت المنآئر، واُكرم الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت الأهواء، ونُقضت العقود، واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهنّ في التجارة حرصاً على الدنيا، وعلت أصوات الفسّاق، واستُمع منهم.
وكان زعيم القوم أرذلهم، واتُّقي الفاجر مخافة شرّه، وصُدّق الكاذب، وائتمن الخائن، واتُخذت القيان والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أوّلها، وركب ذوات الفروج السروج، وتشبّه النساء بالرجال والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمامٍ بغير حقٍ عرفه، وتُفقّه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمرّ من الصبر، فعنذ ذلك الوحا الوحا، العجل العجل، خير المساكن يومئذٍ بيت المقدس؛ ليأتينّ على الناس زمان يتمنّى أحدهم انّه من سكّانه).(24)
الهوامش
(23) البحار 52: 191/ ح 23/ باب 25، عن كمال الدين. (24) البحار 52: 193/ ح 26، عن كمال الدين: 526/ ح 1. (25) المجادلة: 22. (26) الممتحنة: 1. (27) من لا يحضره الفقيه 1: 163، ومثله الوسائل 11: 111/ ح 1/ باب 64/ كتاب الجهاد.