روى القطب الراوندي عن جعفر بن محمّد بن قولويه (أستاذ الشيخ المفيد (رحمه الله)) انّه قال: لمّا وصلت بغداد في سنة سبع(4) وثلاثين وثلاثمائة للحج، وهي السنة التي ردّ القرامطة فيها الحجر إلى مكانه من البيت (وهم من الإسماعيلية الملاحدة الذين هدموا الكعبة، وأخذوا الحجر الأسود إلى الكوفة، نصبوه فيها ثم أرادوا ارجاعه في تلك السنة إلى مكانه أوائل الغيبة الكبرى…) كان أكبر همّي الظفر بمن ينصب الحجر، لأنّه يمضي في أثناء الكتب قصّة أخذه، وانّه ينصبه في مكانه الحجة في الزمان، كما في زمان الحجاج وضعه زين العابدين عليه السلام في مكانه فاستقرّ.
فاعتللت علّة صعبة خفت منها على نفسي ولم يتهيّأ لي ما قصدت له، فاستنبت المعروف بابن هشام وأعطيته رقعة مختومة أسأل فيها عن مدّة عمري، وهل تكون المنيّة في هذه العلّة أم لا؟ وقلت: همّي ايصال هذه الرقعة إلى واضع الحجر في مكانه وأخذ جوابه، وإنّما أندبك لهذا.
قال: فقال المعروف بابن هشام: لمّا حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر، بذلت لسدنة البيت جملة تمكّنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلّما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم.
فأقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه، فاستقام كأنّه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات وانصرف خارجاً من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، ودفع الناس عنّي يميناً وشمالاً حتى ظنّ بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي وعيني لا تفارقه حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه وهو يمشي على تؤدة(5) ولا أدركه.
فلمّا حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إليّ فقال: هات ما معك، فناولته الرقعة، فقال من غير أن ينظر فيها: قل له لا خوف عليك في هذه العلّة، ويكون ما لا بدّ منه بعد ثلاثين سنة. قال: فوقع عليّ الزمع(6) حتى لم أطق حراكاً، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة، فلمّا كان سنة سبع وستين اعتلّ أبو القاسم، فأخذ ينظر في أمره وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيّته، واستعمل الجدّ في ذلك.
فقيل له: ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضّل الله تعالى بالسلامة فما عليك مخوفة، فقال: هذه السنة التي خوفت فيها، فمات في علّته.(7)
الهوامش
(4) في المصدر تسع، ولعلّ الأصح ما أثبتناه وكذلك جاء في البحار. (5) أي ترزن وتأنّي وتمهل. (6) زمع: دهش وخاف وارتعد. (7) الخرائج 1: 475/ ح 18، عنه البحار 52: 58/ ح 41.