اللقاء بالإمام المهدي ع – الحكاية الثانية والعشرون: في تشرّف الشيخ حسين آل رحيم إلى لقاء الحجة ع

 حكى الشيخ العالم الفاضل الشيخ باقر النجفي، نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمي المعروف بآل طالب، انّ رجلاً مؤمناً كان في النجف الأشرف من البيت المعروف بآل الرحيم يُسمّى بالشيخ حسين(8) الرحيم، وأخبرني أيضاً العالم الفاضل والعابد الكامل، مصباح الأتقياء الشيخ طه من قرابة العالم الجليل والزاهد العابد الشيخ حسين نجف إمام جماعة المسجد الهندي حاليّاً، المقبول عند الخاصة والعامة، والمعروف عندهم بالصلاح والتقوى، انّ الشيخ حسين المذكور كان رجلاً سليم الفطرة ذا طينة طاهرة، وكان معه مرض السعال إذا سعل يخرج من صدره مع الاخلاط دم، وكان مع ذلك في غاية الفقر والاحتياج لا يملك قوت يومه.

وكان يخرج في أغلب أوقاته إلى البادية إلى الأعراب الذين في أطراف النجف الأشرف ليحصل له قوت ولو شعير، وما كان يتيسّر ذلك على وجه يكفيه مع شدّة رجائه، وكان مع ذلك قد تعلّق قلبه بتزويج امرأة من أهل النجف، وكان يطلبها من أهلها وما أجابوه إلى ذلك لقلّة ذات يده، وكان في همّ وغمّ شديد من جهة ابتلائه بذلك.

فلمّا اشتدّ به الفقر والمرض، وأيس من تزويج البنت، عزم على ما هو معروف عند أهل النجف من أنّه من أصابه أمر فواظب الرّواح إلى مسجد الكوفة أربعين ليلة الأربعاء، فلابدّ أن يرى صاحب الأمر عجل الله فرجه من حيث لا يعلم ويقضي له مراده.

قال الشيخ باقر (قدس سره): قال الشيخ حسين: فواظبت على ذلك أربعين ليلة بالأربعاء فلمّا كانت الليلة الأخيرة وكانت ليلة شتاء مظلمة، وقد هبّت ريح عاصفة فيها قليل من المطر، وأنا جالس في الدكّة التي هي داخل في باب المسجد، وكانت الدكّة الشرقيّة المقابلة للباب الأوّل تكون على الطرف الأيسر عند دخول المسجد، ولا أتمكّن الدّخول في المسجد من جهة سعال الدّم، ولا يمكن قذفه في المسجد، وليس معي شيء أتّقي فيه عن البرد، وقد ضاق صدري، واشتدّ عليّ همّي وغمّي، وضاقت الدّنيا في عيني، واُفكّر انّ الليالي قد انقضت وهذه آخرها، وما رأيت أحداً ولا ظهر لي شيء، وقد تعبت هذا التعب العظيم، وتحمّلت المشاقّ والخوف في أربعين ليلة، أجيء فيها من النجف إلى مسجد الكوفة، ويكون لي الأياس من ذلك.

فبينما أنا اُفكّر في ذلك وليس في المسجد أحد أبداً، وقد أوقدت ناراً لأسخن عليها قهوة جئت بها من النجف، لا أتمكّن من تركها لتعوّدي بها، وكانت قليلة جدّاً إذا بشخص من جهة الباب الأوّل متوجّهاً اليّ، فلمّا نظرته من بعيد تكدّرت وقلت في نفسي: هذا أعرابي من أطراف المسجد، قد جاء اليّ ليشرب من القهوة وأبقى بلا قهوة في هذا الليل المظلم، ويزيد عليّ همّي وغمّي.

فبينما أنا اُفكّر إذا به قد وصل اليّ وسلّم عليّ باسمي وجلس في مقابلي، فتعجّبت من معرفته باسمي، وظننته من الذين أخرج إليهم في بعض الأقوات من أطراف النجف الأشرف، فصرت أسأله من أيّ العرب يكون؟ قال: من بعض العرب، فصرت أذكر له الطوائف التي في أطراف النجف، فيقول: لا، لا، وكلّما ذكرت له طائفة قال: لا لست منها.

فأغضبني وقلت له: أجل أنت من طُريطرة مستهزءاً وهو لفظ بلا معنى، فتبسّم من قولي ذلك، وقال: لا عليك من أينما كنت ما الذي جاء بك إلى هنا، فقلت: وأنت ما عليك السؤال عن هذه الأمور؟ فقال: ما ضرّك لو أخبرتني؟ فتعجّبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه، فمال قلبي إليه، وصار كلّما تكلّم ازداد حبّي له، فعملت له السبيل من التتن وأعطيته، فقال: أنت اشرب فأنا ما أشرب، وصببت له في الفنجان قهوة وأعطيته، فأخذه وشرب شيئاً قليلاً منه، ثمّ ناولني الباقي وقال: أنت اشربه فأخذته وشربته، ولم ألتفت إلى عدم شربه تمام الفنجان، ولكن يزداد حبّي له آناً فآناً.

فقلت له: يا أخي أنت قد أرسلك الله اليّ في هذه الليلة تأنسني، أفلا تروح معي إلى أن نجلس في حضرة مسلم عليه السلام ونتحدّث؟ فقال: أروح معك فحدّث حديثك.

فقلت له: أحكي لك الواقع أنا في غاية الفقر والحاجة مذ شعرت على نفسي، ومع ذلك معي سعال أتنخّع الدّم وأقذفه من صدري منذ سنين، ولا أعرف علاجه وما عندي زوجة، وقد علق قلبي بامرأة من أهل محلّتنا في النجف الأشرف، ومن جهة قلّة ما في اليد ما تيسّر لي أخذها.

وقد غرّني هؤلاء الملاّئيّة وقالوا لي: اقصد في حوائجك صاحب الزمان، وبت أربعين ليلة الأربعاء في مسجد الكوفة، فانّك تراه ويقضي لك حاجتك، وهذه آخر ليلة من الأربعين وما رأيت فيها شيئاً، وقد تحمّلت هذه المشاقّ في هذه الليالي، فهذا الذي جاء بي هنا وهذه حوائجي.

فقال لي وأنا غافل غير ملتفت: أمّا صدرك فقد برأ، وأما الامرأة فتأخذها عن قريب، وامّا فقرك فيبقى على حاله حتّى تموت، وأنا غير ملتفت إلى هذا البيان أبداً.

فقلت: ألا تروح إلى حضرة مسلم؟ قال: قم، فقمت وتوجّه أمامي، فلمّا وردنا أرض المسجد فقال: ألا تصلّي صلاة تحية المسجد، فقلت: أفعل، فوقف هو قريباً من الشاخص الموضوع في المسجد، وأنا خلفه بفاصلة، فأحرمت الصلاة وصرت أقرأ الفاتحة.

فبينما أنا أقرأ وإذا يقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحداً يقرأ مثلها أبداً، فمن حسن قراءته قلت في نفسي: لعلّه هذا هو صاحب الزمان، وذكرت بعض كلمات له تدلّ على ذلك، ثمّ نظرت إليه بعد ما خطر في قلبي ذلك وهو في الصلاة، وإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف، وهو مع ذلك يصلّي وأنا أسمع قراءته، وقد ارتعدت فرائصي، ولا أستطيع قطع الصلاة خوفاً منه فأكملتها على أيّ وجه كان، وقد علا النور من وجه الأرض، فصرت أندبه وأبكي وأتضجّر وأعتذر من سوء أدبي معه في باب المسجد، وقلت له: أنت صادق الوعد، وقد وعدتني الرواح معي إلى مسلم.

فبينما أنا اُكلّم النور، وإذا بالنور قد توجّه إلى جهة مسلم، فتبعته فدخل النور الحضرة، وصار في جوّ القبّة، ولم يزل على ذلك ولم أزل أندبه وأبكي حتى إذا طلع الفجر عرج النور.

فلمّا كان الصباح التفتّ إلى قوله: أمّا صدرك فقد برأ، وإذا أنا صحيح الصدر، وليس معي سعال أبداً، وما مضى أسبوع الاّ وسهّل الله عليّ أخذ البنت من حيث لا أحتسب، وبقي فقري على ما كان كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين.(9)

 

الهوامش

(8) وفي البحار: (الشيخ محمّد). (9) راجع البحار 53: 240/ الحكاية الخامسة عشرة؛ والنجم الثاقب: 489.

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *