الحكاية العاشرة:
حكاية الكاشاني المريض الذي برأ من مرضه ببركة الإمام المنتظر عليه السلام
وروي أيضاً في البحار انّ جماعة من أهالي النجف أخبروه انّ رجلاً من أهل قاشان أتى إلى الغريّ متوجّهاً إلى بيت الله الحرام، فاعتلّ علّة شديدة حتى يبست رجلاه ولم يقدر على المشي، فخلّفه رفقاؤه وتركوه عند رجل من الصلحاء كان يسكن في بعض حجرات المدرسة المحيطة بالروضة المقدسة وذهبوا إلى الحج.
فكان هذا الرجل يغلق عليه الباب كلّ يوم، ويذهب إلى الصحاري للتنزّه ولطلب الدراري التي تؤخذ منها، فقال له في بعض الأيام: انّي قد ضاق صدري واستوحشت من هذا المكان، فاذهب بي اليوم واطرحني في مكان واذهب حيث شئت.
قال: فأجابني إلى ذلك وحملني وذهب بي إلى مقام القائم صلوات الله عليه خارج النجف، فأجلسني هناك وغسل قميصه في الحوض وطرحها على شجرة كانت هناك وذهب إلى الصحراء، وبقيت وحدي مغموماً افكّر فيما يؤول إليه أمري، فاذا أنا بشابّ صبيح الوجه، أسمر اللّون، دخل الصحن وسلّم عليّ وذهب إلى بيت المقام وصلّى عند المحراب ركعات بخضوع وخشوع لم أر مثله قط.
فلمّا فرغ من الصلاة خرج وأتاني وسألني عن حالي، فقلت له: ابتليت ببليّة ضقت بها لا يشفيني الله فأسلم منها ولا يذهب بي فأستريح، فقال: لا تحزن سيعطيك الله كليهما وذهب.
فلمّا خرج رأيت القميص وقع على الأرض، فقمت وأخذت القميص وغسلتها وطرحتها على الشجر، فتفكّرت في أمري وقلت: أنا كنت لا أقدر على القيام والحركة فكيف صرت هكذا؟ فنظرت إلى نفسي فلم أجد شيئاً ممّا كان بي، فعلمت انّه كان القائم صلوات الله عليه، فخرجت فنظرت في الصحراء فلم أر أحداً فندمت ندامة شديدة.
فلمّا أتاني صاحب الحجرة سألني عن حالي وتحيّر في أمري، فأخبرته بما جرى فتحسّر على ما فات منه ومنّي ومشيت معه إلى الحجرة.
قالوا: فكان هكذا سليماً حتى أتى الحاجّ ورفقاؤه، فلمّا رآهم وكان معهم قليلاً مرض ومات ودفن في الصحن، فظهر صحة ما أخبره عليه السلام من وقوع الأمرين معاً.(1)
يقول المؤلف:
لا يخفى انّ هناك بقاعاً مخصوصة تعرف بمقام الحجة عليه السلام كوادي السلام، ومسجد السهلة، والحلّة، ومسجد جمكران الواقع في خارج قم وغيره، والظاهر في سبب جعل هذه البقاع من الأماكن المباركة والمتبركة هو ظهور معجزة فيها، أو تشرّف شخص بلقاء الحجة عليه السلام فيها، فصارت محلّ تردد الملائكة وقلّة تردد الشياطين، وهذا أحد أسباب إجابة الدعاء وقبول العبادة.
وورد في بعض الأخبار انّ لله تعالى بقاعاً يحبّ أن يُعبد فيها، ووجود أمثال هذه الأماكن والبقاع كالمسجد ومشاهد الأئمّة عليهم السلام، وقبور أولادهم وقبور الصلحاء والأبرار في أطراف العالم وأكنافه من الألطاف الالهية الغيبيّة لعباده المضطرين والمرضى والمظلومين والخائفين والمقروضين والمحتاجين، وأمثالهم من ذوي الهموم والأحزان الممزقة للقلوب، المشتتة للخواطر، كي يذهبوا إليها ويتضرّعوا ويسألوا الله أن يكشف عمّا بهم ويداوي داءهم، ويدفع أعداءهم ببركة صاحب ذلك المقام أو المشهد.
وكثيراً ما تكون إجابة الدعاء سريعة ومقرونة بالسؤال، كأن يذهب مريضاً فيرجع سالماً، أو يذهب متشتت الأحوال فيرجع مطمئن الخاطر، أو يذهب مظلوماً فيرجع مغبوطاً، ولا يخفى انّه كلّما أكثر الإنسان في احترام وتعظيم ذلك المقام أو المشهد كثرت البركات التي تظهر له، ويمكن أن تكون هذه البقاع هي التي قال الله تعالى فيها:
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالآْصالِ).(2)
الهوامش
(1) البحار 52: 176/ باب 24. (2) النور: 36.