روى الشيخ الكليني وابن بابويه وغيرهما رحمة الله عليهم بأسانيد معتبرة عن غانم الهندي انّه قال: كنت بمدينة الهند المعروفة بقشمير الداخلة، وأصحابٌ لي يقعدون على كراسيّ عن يمين الملك أربعون رجلاً كلّهم يقرأ الكتب الأربعة: التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم، نقضي بين الناس ونفقّههم في دينهم، ونفتيهم في حلالهم وحرامهم، يفزع الناس إلينا الملك فمن دونه.
فتجارينا ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا: هذا النبي المذكور في الكتب قد خفي علينا أمره، ويجب علينا الفحص عنه وطلب أثره، واتّفق رأينا وتوافقنا على أن أخرج فأرتاد لهم، فخرجت ومعي مالٌ جليلٌ، فسرت اثني عشر شهراً حتّى قربت من كابل، فعرض لي قوم من الترك فقطعوا عليّ وأخذوا مالي، وجُرحت جراحاتٍ شديدة ودفعت إلى مدينة كابل.
فأنقذني ملكها لمّا وقف على خبري إلى مدينة بلخ، وعليها إذ ذاك داوُد بن العباس بن أبي الأسود، فبلغه خبري وانّي خرجت مرتاداً من الهند، وتعلّمت الفارسيّة وناظرت الفقهاء وأصحاب الكلام، فأرسل إليّ داوُد بن العباس فأحضرني مجلسه وجَمَعَ عليّ الفقهاء، فناظروني فأعلمتهم إنّي خرجت من بلدي أطلب هذا النبي الذي وجدته في الكتب.
فقال لي: من هو وما اسمه؟ فقلت: محمّد، فقالوا: هو نبيّنا الذي تطلب، فسألتهم عن شرائعه فأعلموني، فقلت لهم: أنا أعلم انّ محمّداً نبيّ ولا أعلمه هذا الذي تصفون أم لا، فأعلموني موضعه لأقصده فأسائله عن علامات عندي ودلالات، فان كان صاحبي الذي طلبت آمنت به.
فقالوا: قد مضى صلى الله عليه وآله وسلم، فقلت: فمن وصيّه وخليفته، فقالوا: أبو بكر، قلت: فسمّوه لي فانّ هذه كنيته، قالوا: عبد الله بن عثمان ونسبوه إلى قريش، قلت: فانسبوا لي محمّداً نبيّكم فنسبوه لي.
فقلت: ليس هذا صاحبي الذي طلبت، صاحبي الذي أطلبه خليفته أخوه في الدين وابن عمّه في النسب وزوج ابنته وأبو ولده، ليس لهذا النبي ذرّية على الأرض غير ولد هذا الرجل الذي هو خليفته، قال: فوثبوا بي وقالوا: أيّها الأمير انّ هذا قد خرج من الشرك إلى الكفر هذا حلال الدم.
فقلت لهم: يا قوم أنا رجل معي دين متمسك به، لا أفارقه حتى أرى ما هو أقوى منه، إنّي وجدت صفة هذا الرجل في الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه، وإنّما خرجت من بلاد الهند ومن العزّ الذي كنت فيه طلباً له، فلمّا فحصت عن أمر صاحبكم الذي ذكرتم لم يكن النبي الموصوف في الكتب فكفّوا عنّي، وبعث العامل إلى رجل يقال له: الحسين بن اسكيب (أحد أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام) فدعاه.
فقال له: ناظر هذا الرجل الهندي، فقال له الحسين: أصلحك الله عندك الفقهاء والعلماء وهم أعلم وأبصر بمناظرته، فقال له: ناظره كما أقول لك واخلُ به والطف له، فقال لي الحسين بن اسكيب بعد ما فاوضته: انّ صاحبك الذي تطلبه هو النبي الذي وصفه هؤلاء، وليس الأمر في خليفته كما قالوا، هذا النبي محمّد بن عبد الله بن عبد المطلب، ووصيّه عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب، وهو زوج فاطمة بنت محمّد، وأبو الحسن والحسين سبطي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
قال غانمٌ أبو سعيد: فقلت: الله أكبر هذا الذي طلبت، فانصرفت إلى داوُد بن العباس فقلت له: أيّها الأمير وجدت ما طلبت، وأنا أشهد أن لا إله الاّ الله وانّ محمّداً رسول الله، قال: فبرّني ووصلني وقال للحسين: تفقّده، قال: فمضيت إليه حتى آنست به، وفقّهني فيما احتجت إليه من الصلاة والصيام والفرائض.
قال: فقلت له: انّا نقرأ في كتبنا انّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيّين لا نبيّ بعده، وانّ الأمر من بعده إلى وصيّه ووارثه وخليفته من بعده، ثم إلى الوصيّ بعد الوصيّ، لا يزال أمر الله جارياً في أعقابهم حتى تنقضي الدنيا، فمن وصيّ وصيّ محمّد؟
قال: الحسن ثم الحسين ابنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ساق الأمر في الوصية حتى انتهى إلى صاحب الزمان عليه السلام ثم أعلمني ما حدث، فلم يكن لي همّة الاّ طلب الناحية.
فوافى قم وقعد مع أصحابنا في سنة أربع وستين ومائتين، خرج معهم حتى وافى بغداد، ومعه رفيق له من أهل السندكان صحبه على المذهب…
قال: وأنكرت من رفيقي بعض أخلاقه فهجرته، وخرجت حتى سرت إلى العباسيّة أتهيّأ للصلاة وأصلّى، وانّي لواقف متفكر فيما قصدت لطلبه إذا أنا بآتٍ قد أتاني، فقال: أنت فلان؟ _ اسمه بالهند _ فقلت: نعم، فقال: أجب مولاك.
فمضيت معه، فلم يزل يتخلّل بي الطرق حتى أتى داراً وبستاناً فإذا أنا به عليه السلام جالس، فقال: مرحباً يا فلان _ بكلام الهند _ كيف حالك؟ وكيف خلّفت فلاناً وفلاناً؟ حتى عدّ الأربعين كلّهم، فسألني عنهم واحداً واحداً، ثم أخبرني بما تجارينا، كلّ ذلك بكلام الهند.
ثم قال: أردت أن تحجّ مع أهل قم؟ قلت: نعم يا سيدي، فقال: لا تحجّ معهم، وانصرف سنتك هذه وحجّ في قابلٍ، ثم ألقى إليّ صرّة كانت بين يديه، فقال لي: اجعلها نفقتك ولا تدخل إلى بغداد إلى فلان سمّاه ولا تطلعه على شيء، وانصرف إلينا إلى البلد.
ثم وافانا بعض الفيوج فأعلمونا أنّ أصحابنا انصرفوا من العقبة، ومضى نحو خراسان، فلمّا كان في قابل حج وأرسل إلينا بهديّة من طرف خراسان، فأقام بها مدّة ثم مات (رحمه الله).(3)
الهوامش
(3) الكافي 1: 515/ ح 3/ باب مولد الصاحب عليه السلام، ونحوه في كمال الدين 2: 438.