روى الشيخ الطوسي عن رشيق انّه قال: بعث إلينا المعتضد _ ونحن ثلاثة نفر _ فأمرنا أن يركب كلّ واحد منّا فرساً، ونجنّب آخر ونخرج مخفّين لا يكون معنا قليل ولا كثير الاّ على السرج مصلّى،(31) وقال لنا: الحقوا بسامرة ووصف لنا محلة وداراً، وقال: إذا أتيتموها تجدون على الباب خادماً أسود، فاكبسو(32) الدار ومن رأيتم فيها فأتوني برأسه.
فوافينا سامرة فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكة ينسجها فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال: صاحبها، فو الله ما التفت إلينا وقلّ اكتراثه بنا.
فكبسنا الدار كما أمرنا، فوجدنا داراً سرية ومقابل الدار ستر ما نظرت قط إلى أنبل منه، كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كأنّ بحراً فيه ماء، وفي أقصى البيت حصير قد علمنا انّه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي، فلم يتلفت إلينا ولا إلى شيء من أسبابنا.
فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى البيت، فغرق في الماء وما زال يضطرب حتى مددت يدي إليه، فخلّصته وأخرجته وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبي الثاني إلى فعل ذلك الفعل فناله مثل ذلك، وبقيت مبهوتاً.
فقلت لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فو الله ما علمت كيف الخبر وإلى من أجيء وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شيء مما قلنا وما انفتل عما كان فيه، فهالنا ذلك وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا، وقد تقدم إلى الحجاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أيّ وقت كان.
فوافيناه في بعض الليل فادخلنا عليه، فسألنا عن الخبر فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم لقيكم أحد قبلي وجرى منكم إلى أحد سبب أو قول؟ قلنا: لا، فقال: أنا نفيٌ من جدّي، وحلف بأشدّ أيمان له انّه رجل إن بلغه هذا الخبر ليضربنّ أعناقنا، فما جسرنا أن نحدّث به الاّ بعد موته.(33)
الهوامش
(31) مصلّى: فرش خفيف يصلى عليه ويكون حمله على السرج. (32) أي ادخلوها باقتحام. (33) كتاب الغيبة للطوسي: 149/ ح 218؛ البحار 52: 51/ ح 36.