معنى التفسير

التفسير هو

كشف مراد اللَّه تعالى من ألفاظ قرانه المجيد، ولا بدّ للمفسّر في استكشاف مراد اللَّه تعالى من أتباع ظواهر الكتاب أو ما حكم به العقل الفطري الصحيح، أو ما ثبت عن المعصوم من النبي صلى الله عليه وعلى آله أو الإمام عليه السلام وهذه الأمور الثلاثة هي أصول التفسير ومداركه.

ظواهر الكتاب

والمراد من ظاهر القرآن ما يفهمه العارف باللغة العربية الفصيحة من اللفظ، ولم يقم على خلافه قرينة عقلية أو نقلية معتبرة، فالقرآن نزل بلسان يسير واضح ومفهوم، وتكلم مع الناس بالطريقة المألوفة ولذا عبّر عن نفسه بأنه نور
﴿قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ 1.

والنور هو الظاهر في نفسه والمظهر لغيره.

قول المعصوم

لا شك ولا ريب في أن قول المعصوم نبياً كان أو إماماً حجة في مقام كشف مراد اللَّه تعالى من ايات الكتاب العزيز أما النبي، فإن القرآن نفسه يثبت حجية أقواله وبيانه:
﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا 2.

وأما الإمام فلأنه أحد الثقلين اللذين أمرنا اللَّه بالتمسك بهما وهم كما قال الصادق عليه السلام:
ولاة أمر اللَّه، وخزنة علم اللَّه، وعيبة وحي اللَّه 3.

كما أن في القرآن قواعد كلية ومفاهيم عامة لا نفهم جزئياتها وتفاصيلها وحدودها إلا من خلال الرسول صلى الله عليه وعلى آله والعترة وهذا ما يعبّر عنه بالتبيين.

قال تعالى:
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ 4.

وذلك من قبيل قوله تعالى:
“أقيموا الصلاة”.

والأمر بالحج فيأتي بيان النبي صلى الله عليه وعلى آله صلّوا كما رأيتموني أصلي.
وخذوا عني مناسككم“.

العقل القطعي

فإذا حكم بخلاف الاستظهار الساذج يكون حكمه بمنزلة قرينة قطعية موجبة لعدم انعقاد ظهور له أصلاً إلا في ما حكم به العقل.

فقوله تعالى:
﴿وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا 5.

وإن كان ظاهراً إبتداءً في كون الجائي هو الرب نفسه، المستلزم للجسمية الممتنعة في حقه تعالى، إلا أن حكم العقل القطعي باستحالة ذلك لاستلزامه التجسم الموجب للإفتقار يوجب عدم انعقاد ظهور له في هذا المعنى وهو إتصاف الرب بالمجي‏ء.

والمفسّر عندما يريد كشف مراد اللَّه تعالى يتسلح بهذه الأمور الثلاثة ويعتمد عليها “فلا يجوز الاعتماد على الظنون والإستحسان ولا على شي‏ء لم يثبت أنه حجة من طريق العقل، أو من طريق الشرع، للنهي عن إتباع الظن وحرمة إسناد شي‏ء إلى اللَّه بغير إذنه.

قال تعالى:
﴿آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ 6.
﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ 7.

والروايات الناهية عن التفسير بالرأي مستفيضة من الطرفين8.

تطور علم التفسير

بدأ التفسير للآيات وبيان معاني ألفاظ القرآن الكريم منذ عصر الرسول صلى الله عليه وعلى آله فكان هو أول من أوضح مقاصده، وبعد أن ارتحل النبي صلى الله عليه وعلى آله، رجعت الشيعة إلى أهل بيته لما مرّ من حجية أقوالهم ولم يركنوا إلى ما روته الصحابة والتابعين الذين اعتمد أقوالهم بقية المسلمين، إلا ما ثبت أنه حديث نبوي.

فكانت أوائل التفاسير عبارة عن أحاديث مأثورة عن النبي وأهل بيته وكان الذين يلونهم من المفسرين ينقلون ما أورده المفسرون الأوائل من روايات تفسير إلى عصر الشيخ الطوسي والشريف المرتضى ومن ثم الشيخ الحويزي والفيض الكاشاني فكان كل واحد منهم يطغى على تفسيره جانب معين كالأدب وعلم الكلام إلى أن أصبحت التفاسير تحوي علوماً عديدة ولا تقتصر على جانب معين.

وما بأيدينا من تفاسير شاهد حيّ على اتساع أنماط التفسير وتشعب علومه.

مناهج التفسير

قد ظهرت مناهج متعددة في تفسير القرآن الكريم عند المسلمين عامة نتيجة التحولات الفكرية التي شهدتها الأجيال اللاحقة ابتداءاً من القرن الثاني الهجري فصاعداً، وذلك مع شيوع المباحث الكلامية وانتشار الفلسفة وعلم التصوف وما سبق ذلك واكتنفه من ميول سلفية ظاهرية.. كالتفسير بالمأثور والتفسير الفلسفي والتفسير الصوفي والتفسير الكلامي والتفسير البياني والتفسير اللغوي والتفسير التاريخي والتفسير العلمي.. ومناهج التفسير التي ارتضاها العلماء في مدرسة الإمامية هي:

1- المنهج القرآني:

وهو يتم من خلال مقابلة الاية بالاية، فما أجمل منها في مكان يتم تفسيره في مكان اخر.

والقرآن كما قال أمير المؤمنين عليه السلام:
يشهد بعضه على بعض وينطق بعضه ببعض9.

وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله:
وإن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضاً ولكن نزل يصدق بعضه بعضا 10.

كما أن المعصومين عليهم السلام كانوا يستعملون هذا الأسلوب في استدلالاتهم واحتجاجاتهم وهاكم واحداً:
في الكافي عن علي بن يقطين قال سأل المهدي أبا الحسن عليه السلام عن الخمر هل هي محرمة في كتاب اللَّه عزّ وجلّ فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون تحريمها فقال له أبو الحسن عليه السلام بل هي محرمة.

فقال في أي موضع هي محرمة في كتاب اللَّه عزش وجل يا أبا الحسن؟

فقال عليه السلام: قول اللَّه تعالى:
﴿إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ11.

إلى أن قال فأما الإثم فإنها الخمر بعينها وقد قال اللَّه تعالى في موضع آخر:
﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا 12.

فأما الإثم في كتاب اللَّه فهي الخمر والميسر وإثمهما أكبر من نفعهما كما قال تعالى. ومن التفاسير التي اتبعت هذه المنهجية كتاب4.

2- المنهج الروائي:

وهو التفسير بالأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله والأئمة عليه السلام.

والأحاديث هذه تبلغ الآلاف من طريق الشيعة وفيها مقدار كثير من الأحاديث التي يمكن الاعتماد عليها إلا إن هناك آيات لم يرد فيها حديث أصلاً لا من طريق السنّة ولا من طريق الشيعة. وينبغي الإلتفات إلى أنه ربما تشير الروايات إلى المصداق الأكمل والأصلي في تفسير الآية وهذا لا يمنع من تفسير الآية بطريقة أخرى توافق ظاهرها، وقد اشتهر بينهم أن المورد لا يخصص الوارد وذلك لأن القرآن يجري مجرى الليل والنهار والشمس والقمر، إلا أن تقوم قرينة قطعية على أن اية معينة قد انحصرت في موردها كما في آية ﴿إنما وليكم اللَّه 13.

ومن التفاسير التي اتبعت هذه المنهجية كتاب نور الثقلين.

3- المنهج اللغوي:

وهو تفسير مفردات القرآن واشتقاقاتها وأصولها. كتفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي.

وقد تباينت توجهات المفسرين واختلفت الجهات التي احتجوا بها، كالجهة البلاغية والفقهية والكلامية والفلسفية والأخلاقية.

ويبقى سؤال أخير: هل نحن بحاجة إلى كل هذه التفاسير؟

يصف المولى سبحانه وتعالى كتابه العزيز” القرآن الكريم” بأنه نور مبين:
﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا 14.

كما يصفه بأنه تبيان لكل شي‏ء:
﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ 15.

وقد أشار النبي صلى الله عليه وعلى آله والأئمة الأطهار عليه السلام إلى هذه الحقيقة بوضوح، فعن النبي صلى الله عليه وعلى آله:
“إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق”.

وعنه أيضاً:
“كتاب اللَّه تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به، وينطبق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض”.

وهو ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله في قوله:
القرآن يفسر بعضه بعضاً”.

فإذا كان القرآن الكريم نوراً بذاته، وبياناً بذاته، فلا بد من أن يكون مستغنياً عن التفسير، لأن معنى التفسير في اللغة والاصطلاح هو الكشف والبيان، والقرآن نور وبيان بذاته، فلا يحتاج إلى تفسير.

ويكون حينئذ بمتناول الجميع، وليس رهناً بأهل الفكر والعلم بحيث لا يكون لغيرهم حظ في الاستفادة منه وتدبّر معانيه؟ فما هو وجه الحاجة إلى التفسير؟ فيما يلي توضيح من خلال نقاط معنية بالإجابة عن السؤال الآنف:

القرآن مائدة لجميع الناس

القرآن الكريم كما تقدم واضح وميّسر للفهم وربما احتاج إلى تعليم بعض حدود الآية التي لم يذكرها اللَّه في الكتاب فأوكلها إلى نبيّه صلى الله عليه وعلى آله وإلا فإن القرآن في نفسه هو هدى ورحمة لكل العالمين وكل من كان أصفى فطرةً وأكثر فكراً وتدبراً فإنه يحظى بفهم أكبر ويكون القرآن شفاءً ومصححاً للآراء والأفكار التي يحملها.

قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ16.

فالكلّ في معرض الاستفادة من القرآن الكريم لذلك تعددت الخطابات لطوائف خاصة كبني إسرائيل، أو المؤمنين، أو الكفار، وفي بعض الآيات يخاطب عامة الناس وبديهي أنه لا يصح التكلم بما لا مفهوم واضح عندهم.

وأيضاً نجد حتى المعارف العالية يبثها القرآن بلغة يفهمها عامة الناس ويلقيها بشكل محسوس أو ما يقرب منه.

وتبقى الحقائق المعنوية وراء ستار الظواهر فتتجلى حسب الأفهام ويدرك منها كل شخص بقدر عقله ومداركه. واحتواء القرآن على معانٍ دقيقة ومفاهيم رقيقة وذلك في مثل صفاته تعالى الجمالية والجلالية، ومعرفة وجود الإنسان وسرّ خلقته، ومسائل من المبدأ والمعاد، كل ذلك جاء في القرآن في إشارات عابرة وفي ألفاظ وتعابير كنائية واستعارة ومجاز، فكان حلها والكشف عن معانيها بحاجة إلى فقه ودراسة وتدبّر وإمعان نظر.

كما أن في القرآن إشارات إلى أحاديث غابرة وأمم خالية، إلى جنب عادات جاهلية عارضها لم يبق منها سوى إشارات عابرة لولا الوقوف عليها لما أمكن فهم معاني تلكم الآيات.

هذا مضافاً إلى غرائب اللغة التي جاءت في القرآن على أفصحها وأبلغها وإن كان صعباً فهمها على عامة الناس لولا الشرح والبيان وغير ذلك من الأمور التي استوجبت تفسيراً وكشفاً لما استتر ومزيداً لامعان نظر.

إعداد النفس لحضور مائدة القرآن

تزكية النفس وتطهيرها من الأوساخ والأدران الخلقية هو شرط من شروط فهم القرآن، وأعظم هذه الأوساخ هي الأهواء النفسية، فما دام الإنسان أسيراً لأهوائه وغرائزه، فإنه لا يستطيع أن يدرك القرآن الذي هو نور، يقول الإمام الخميني رحمهم الله:

“فالذين يقفون خلف حجب عديدة لا يمكنهم أن يدركوا النور.. ما دام الإنسان لم يخرج من حجاب نفسه المظلم جداً، وطالما أنه مبتلى بالأهواء النفسية، وطالما أنه مبتلى بالعجب، طالما أنه مبتلى بالأمور التي أوجدها في باطن نفسه، وتلك الظلمات التي بعضها فوق بعض فإنه لا يكون مؤهلاً لانعكاس هذا النور الإلهي في قلبه”.

نعم، قد يتمكن مثل هذا الإنسان من فهم بعض ظواهر الألفاظ، ولكنه لن يصل إلى فهم مقاصده الأصلية ومراميه الكلية.

* دروس قرآنية. سلسلة المعارف الاسلامية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: 6، آب 2009م- 1430ه. ص: 61-67.

1- المائدة:15.
2- الحشر:6.
3- الكافي، ج1، ص192.
4- النحل:44.
5- الفجر:33.
6- يونس:59.
7- :59 17-
8- البيان، ص397.
9- نهج البلاغة، الخطبة 131.
10- الدر المنثور، 8 2.
11- الأعراف:33.
12- البقرة:209.
13- المائدة:55.
14- النساء:174.
15- النمل:89.
16- الحشر:7.

شارك هذه:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *